بعد البيع وصف آخر يكون فيه قيام المعصية، وأن ما تقوم المعصية بعينه ما توجد فيه على وصفه الموجود حالة البيع كالأمرد والسلاح، ويأتي تمام الكلام عليه. قوله: (أما بيعه من المسلم فيكره) لأنه إعانة على المعصية. قهستاني عن الجواهر.
أقول: وهو خلاف إطلاق المتون وتعليل الشروح بما مر، وقال ط: وفيه أنه لا يظهر إلا على قول من قال: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة والأصح خطابهم، وعليه فيكون إعانة على المعصية، فلا فرق بين المسلم والكافر في بيع العصير منهما فتدبر اه. ولا يرد على هذا الاطلاق والتعليل المار. قوله: (على خلاف ما في الزيلعي والعيني) ومثله في النهاية والكفاية عن إجارات الامام السرخسي. قوله: (معزيا للنهر) قال فيه من باب البغاة: وعلم من هذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب ممن يتخذ منه المعازف، وأما في بيوت الخانية من أنه يكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل.
والذي جزم به الزيلعي في الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبرها أو بيع غلام من لوطي، وهو الموافق لما مر، وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه وهو الذي تطمئن إليه النفوس، إذ لا يشكل أنه وإن لم يكن معينا أنه متسبب في الإعانة، ولم أر من تعرض لهذا اه. وفي حاشية الشلبي على المحيط: اشترى المسلم الفاسق عبدا أمرد وكان ممن يعتاد إتيان الأمرد يجبر على بيعه. قوله: (فليحفظ توفيقا) بأن يحمل ما في الخانية من إثبات الكراهة على التنزيه، وما في الزيلعي وغيره من نفيها على التحريم فلا مخالفة، وأقول: هذا التوفيق غير ظاهر، لأنه قدم أن الأمرد مما تقوم المعصية بعينه، وعلى مقتضى ما ذكره هنا يتعين أن تكون الكارهة فيه للتحريم، فلا يصح حمل كلام الزيلعي وغيره على التنزيه، وإنما مبني كلام الزيلعي وغيره على أن الأمرد ليس مما تقوم المعصية بعينه كما يظهر من عبارته قريبا عند قوله وجاز إجارة بيت. قوله: (وجاز تعمير كنيسة) قال في الخانية: ولو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها لا بأس به لأنه لا معصية في عين العمل. قوله:
(وحمل خمر ذمي) قال الزيلعي: وهذا عنده، وقالا: هو مكروه لأنه عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرة، وعد منها حاملها وله أن الإجارة على الحمل وهو ليس بمعصية ولا سبب لها، وإنما تحصل المعصية بفعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل، لان حملها قد يكون للإراقة أو للتخليل، فصار كما إذا استأجره لعصر العنب أو قطعه، والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية اه. زاد في النهاية: وهذا قياس وقولهما استحسان، ثم قال الزيلعي: وعلى هذا الخلاف لو آجره دابة لينقل عليها الخمر أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير يطيب له الاجر عنده، وعندهما يكره.