دلالة لما ذكرنا ان جعل الامر بيدها تخيير لها بين ان تختار نفسها وبين أن تختار زوجها والتخيير ينافي اللزوم ومن صفته انه إذا خرج الامر من يدها لا يعود الامر إلى يدها بذلك الجعل أبدا وليس لها أن تختار الا مرة واحدة لان قوله أمرك بيدك لا يقتضى التكرار الا إذا قرن به ما يقتضى التكرار بأن قال أمرك بيدك كلما شئت فيصير الامر بيدها في ذلك وغيره ولها ان تطلق نفسها في كل مجلس تطليقة واحدة حتى تبين بثلاث لان كلمة كلما تقتضي تكرار الافعال قال الله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وقال كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله فيقتضى تكرار التمليك عند تكرار المشيئة الا أنها لا تملك أن تطلق نفسها في كل مجلس الا تطليقة واحدة لأنه يصير قائلا لها في كل مجلس أمرك بيدك فإذا اختارت فقد انتهى موجب ذلك التمليك ثم يتجدد لها الملك بتمليك آخر في مجلس آخر عند مشيئة أخرى إلى أن يستوفى ثلاث تطليقات فان بانت بثلاث تطليقات ثم تزوجت بزوج آخر وعادت إلى الزوج الأول فلا خيار لها لأنها إنما تملك تطليق نفسها بتمليك الزوج والزوج إنما ملكها ما كان يملك بنفسه وهو إنما كان يملك بنفسه طلقات ذلك الملك القائم لا طلقات ملك لم يوجد فما لا يملك بنفسه كيف يملكه غيره وان بانت بواحدة أو اثنتين ثم تزوجت بزوج آخر ثم عادت فلها أن تشاء الطلاق مرة بعد أخرى حتى تستوفى الثلاث في قول أبي حنيفة وأبى يوسف خلافا لمحمد وهو قول الشافعي بناء على أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث من التطليقات وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم بخلاف ما إذا قال لها أمرك بيدك إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت أن لها الخيار في المجلس أو غيره لكنها لا تملك أن تختار الا مرة واحدة فإذا اختارت مرة لا يتكرر لها الخيار في ذلك لان إذا ومتى لا تفيد التكرار وإنما تفيد مطلق الوقت كأنه قال لها اختياري في أي وقت شئت فكان لها الخيار في المجلس وغيره لكن مرة واحدة فإذا اختارت مرة واحدة انتهى موجب التفويض بخلاف الفصل الأول لان كلما يقتضى تكرار الافعال فيتكرر التفويض عند تكرار المشيئة والله أعلم وأما بيان ما يصلح جواب جعل الامر باليد من الألفاظ وما لا يصلح وبيان حكمه إذا وجد فالأصل فيه أن كل ما يصلح من الألفاظ طلاقا من الزوج يصلح جوابا من المرأة وما لا فلا الا في لفظ الاختيار خاصة فإنه لا يصلح طلاقا من الزوج ويصلح جوابا من المرأة في الجملة بخلاف الأصل لان التفويض من الزوج تمليك الطلاق منها فما يملكه بنفسه يملك تمليكه من غيره وما لا فلا هو الأصل إذا عرف هذا فنقول إذا قالت طلقت نفسي أو أبنت نفسي أو حرمت نفسي يكون جوابا لان الزوج لو أتى بهذه الألفاظ كان طلاقا وكذا إذا قالت أنا منك بائن أو أنا عليك حرام لان الزوج لو قال لها أنت مني بائن أو أنت على حرام كان طلاقا وكذا إذا قالت لزوجها أنت منى بائن أو أنت على حرام لان الزوج لو قال لها ذلك كان طلاقا ولو قالت أنا بائن ولم تقل منك أو قالت أنا حرام ولم تقل عليك فهو جواب لان الزوج لو قال لها أنت بائن أو أنت حرام ولم يقل منى وعلى كان طلاقا ولو قالت لزوجها أنت بائن ولم تقل منى أو قالت لزوجها أنت حرام ولم تقل على فهو باطل لان الزوج لو قال لها أنا بائن أو أنا حرام لم يكن طلاقا ولو قالت أنا منك طالق فهو جواب لأنه لو قال لها أنت طالق منى كان طلاقا وكذا لو قالت لزوجها أنا طالق ولم تقل منك لان الزوج لو قال أنت طالق ولم يقل منى كان طلاقا ولو قالت لزوجها أنت مني طالق لم يكن جوابا لان الزوج لو قال لها أنا منك طالق لم يكن طلاقا عندنا خلافا للشافعي ولو قالت اخترت نفسي كان جوابا وان لم يكن هذا اللفظ من الزوج طلاقا وانه حكم ثبت شرعا بخلاف القياس بالنص واجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما نذكر إن شاء الله تعالى وأما الواقع بهذه الألفاظ التي تصلح جوابا فطلاق واحد بائن عندنا إن كان التفويض مطلقا عن قرينة الطلاق بان قال لها أمرك بيدك ولم ينو الثلاث اما وقوع الطلقة الواحدة فلانه ليس في التفويض ما ينبئ عن العدد وأما كونها بائنة فلأن هذه الألفاظ جواب الكناية والكنايات على أصلنا منبيات ولان قوله أمرك بيدك جعل أمرها نفسها بيدها فتصير عند اختيارها نفسها مالكة نفسها وإنما تصير مالكة نفسها بالبائن لا بالرجعي وان قرن به ذكر الطلاق بان قال أمرك بيدك في تطليقة فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة لأنه فوض إليها الصريح حيث
(١١٧)