وأنت واحدة أما قوله اعتدى فلما روى عن أبي حنيفة أنه قال القياس في قوله اعتدى أن يكون بائنا وإنما اتبعنا الأثر وكذا قال أبو يوسف القياس أن يكون بائنا وإنما تركنا القياس لحديث جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسودة بنت زمعة رضي الله عنها اعتدى فناشدته أن يراجعها لتجعل يومها لعائشة رضي الله عنها حتى تحشر في جملة أزواجه فراجعها ورد عليها يومها ولان قوله اعتدى أمر بالاعتداد والاعتداد يقتضى سابقة الطلاق والمقتضى يثبت بطريق الضرورة فيتقدر بقدر الضرورة والضرورة ترتفع بالأقل وهو الواحدة الرجعية فلا يثبت ما سواها ثم قوله اعتدى إنما يجعل مقتضيا للطلاق في المدخول بها وأما في غير المدخول بها فإنه يجعل مستعارا من الطلاق وقوله استبري رحمك تفسير قوله اعتدى لان الاعتداد شرع للاستبراء فيفيد ما يفيده قوله اعتدى وأما قوله أنت واحدة فلانه لما نوى الطلاق فقد جعل قوله واحدة نعتا لمصدر محذوف وهو الطلقة كأنه قال أنت طالق طلقة واحدة كما يقال أعطيته جزيلا أي عطاء جزيلا واختلف في البواقي من الكنايات فقال أصحابنا رحمهم الله إنها بوائن وقال الشافعي رواجع وجه قوله إن هذه الألفاظ كنايات الطلاق فكانت مجازا عن الطلاق ألا ترى إنها لا تعمل بدون نية الطلاق فكان العامل هو الحقيقة وهو المكنى عنه لا المجاز الذي هو الكناية ولهذا كانت الألفاظ الثلاثة رواجع فكذا البواقي ولنا أن الشرع ورد بهذه الألفاظ وانها صالحه لاثبات البينونة والمحل قابل للبينونة فإذا وجدت من الأهل ثبتت البينونة استدلالا بما قبل الدخول ولا شك ان هذه الألفاظ صالحة لاثبات البينونة فإنه تثبت البينونة بها قبل الدخول وبعد انقضاء العدة ويثبت به قبول المحل أيضا لان ثبوت البينونة في محل لا يحتملها محال والدليل على أن الشرع ورد بهذه الألفاظ قوله تعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان وقوله تعالى فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وقوله فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف والتسريح والمفارقة من كنايات الطلاق على ما بينا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة فرأى في كشحها بياضا فقال لها الحقي باهلك وهذا من ألفاظ الكنايات وان ركانة بن زيد أو زيد بن ركانة طلق امرأته البتة فحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها الثلاث وقوله البتة من الكنايات فإذا ثبت ان هذا التصرف مشروع فوجود التصرف حقيقة بوجود ركنه ووجوده شرعا بصدوره من أهله وحلوله في محله وقد وجد فتثبت البينونة فقد زال الملك فلا يملك الرجعة ولان شرع الطلاق في الأصل لمكان المصلحة لان الزوجين قد تختلف أخلاقهما وعند اختلاف الأخلاق لا يبقى النكاح مصلحة لأنه لا يبقى وسيلة إلى المقاصد فتنقلب المصلحة إلى الطلاق ليصل كل واحد منهما إلى زوج يوافقه فيستوفى مصالح النكاح منه الا أن المخالفة قد تكون من جهة الزوج وقد تكون من جهة المرأة فالشرع شرع الطلاق وفوض طريق دفع المخالفة والإعادة إلى الموافقة إلى الزوج لاختصاصه بكمال العقل والرأي فينظر في حال نفسه فإن كانت المخالفة من جهته يطلقها طلاقا واحدا رجعيا أو ثلاثا في ثلاثة أطهار ويجرب نفسه في هذه المدة فإن كان يمكنه الصبر عنها ولا يميل قلبه إليها يتركها حتى تنقضي عدتها وإن كان لا يمكنه الصبر عنها راجعها وإن كانت المخالفة من جهتها تقع الحاجة إلى أن تتوب وتعود إلى الموافقة وذلك لا يحصل بالطلاق الرجعي لأنها إذا علمت أن النكاح بينهما قائم لا تتوب فيحتاج إلى الإبانة التي بها يزول الحل والملك لتذوق مرارة الفراق فتعود إلى الموافقة عسى وإذا كانت المصلحة في الطلاق بهذين الطريقين مست الحاجة إلى شرع الإبانة عاجلا وآجلا تحقيقا لمصالح النكاح بالقدر الممكن وقوله هذه الألفاظ مجاز عن الطلاق ممنوع بل هي حقائق عاملة بأنفسها لأنها صالحة للعمل بأنفسها على ما بينا فكان وقوع البينونة بها لا بالمكنى عنه على أنا ان سلمنا انها مجاز عن الطلاق فلفظ المجاز عامل بنفسه أيضا كلفظ الحقيقة فان المجاز أحد نوعي الكلام فيعمل بنفسه كالحقيقة ولهذا قلنا إن للمجاز عموما كالحقيقة الا أنه يشترط النية لتنوع البينونة والحرمة إلى الغليظة والخفيفة فكان الشرط في الحقيقة نية التمييز وتعيين أحد النوعين لا نية الطلاق والله أعلم ويستوي فيما ذكرنا من الصريح والكناية والرجعي والبائن أن يكون ذلك بمباشرة الزوج بنفسه
(١١٢)