صارت مطلقة ويحتمل الطرد والابعاد عن نفسه مع بقاء النكاح وإذا احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغير الطلاق فقد استتر المراد منها عند السامع فافتقرت إلى النية لتعيين المراد ولا خلاف في هذه الجملة الا في ثلاثة ألفاظ وهي قوله سرحتك وفارقتك وأنت واحدة فقال أصحابنا قوله سرحتك وفارقتك من الكنايات لا يقع الطلاق بهما الا بقرينة النية كسائر الكنايات وقال الشافعي هما صريحان لا يفتقران إلى النية كسائر الألفاظ الصريحة وقوله أنت واحدة من الكنايات عندنا وعنده هو ليس من ألفاظ الطالق حتى لا يقع الطلاق به وان نوى (أما) المسألة الأولى فاحتج الشافعي بقوله سبحانه وتعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والتسريح هو التطليق وقوله تعالى فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف والمفارقة هي التطليق فقد سمى الله عز وجل الطلاق بثلاثة أسماء الطلاق والسراح والفراق ولو قال لها طلقتك كان صريحا فكذا إذا قال سرحتك أو فارقتك (ولنا) ان صريح الطلاق هو اللفظ الذي لا يستعمل الا في الطلاق عن قيد النكاح لما ذكرنا ان الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المراد عند السامع وما كان مستعملا فيه وفي غيره لا يكون ظاهر المراد بل يكون مستتر المراد أو لفظ السراح والفراق يستعمل في غير قيد النكاح يقال سرحت ابلي وفارقت صديقي فكان كناية لا صريحا فيفتقر إلى النية ولا حجة له في الآيتين لأنا نقول بموجبهما ان السراح والفراق طلاق لكن بطريق الكناية لا صريحا لانعدام معنى الصريح على ما بينا وأما المسألة الثانية فوجه قوله إن قوله أنت واحدة صفة المرأة فلا يحتمل الطلاق كقوله أنت قائمة وقاعدة ونحو ذلك ولنا انه لما نوى الطلاق فقد جعل الواحدة نعتا لمصدر محذوف أي طلقة واحدة وهذا شائع في اللغة يقال أعطيته جزيلا وضربته وجيعا أي عطاء جزيلا وضربا وجيعا ولهذا يقع الرجعي عندنا دون البائن واختلف مشايخنا في محل الخلاف قال بعضهم الخلاف فيما إذا قال واحدة بالوقف ولم يعرب فاما إذا أعرب الواحدة فلا خلاف فيها لأنه ان رفعها لا يقع الطلاق بالاجماع لأنها حينئذ تكون صفة الشخص وان نصبها يقع الطلاق بالاجماع لأنها حينئذ تكون نعتا لمصدر محذوف على ما بينا فكان موضع الخلاف ما إذا وقفها ولو يعربها ويحتمل ان يقال إن موضع الرفع محل الاختلاف أيضا لان معنى قوله أنت واحدة أي أنت منفردة عن النكاح وقال أكثر المشايخ ان الخلاف في الكل ثابت لان العوام لا يهتدون إلى هذا ولا يميزون بين اعراب واعراب ولا خلاف انه لا يقع الطلاق بشئ من ألفاظ الكناية الا بالنية فإن كان قد نوى الطلاق يقع فيما بينه وبين الله تعالى وإن كان لم ينو لا يقع فيما بينه وبين الله تعالى وان ذكر شيئا من ذلك ثم قال ما أردت به الطلاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان الله تعالى يعلم سره ونجواه وهل يدين في القضاء فالحال لا يخلو اما إن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق واما إذا كانت حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله واما إن كانت حالة الغضب والخصومة فإن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق يدين في القضاء في جميع الألفاظ لما ذكرنا ان كل واحد من الألفاظ يحتمل الطلاق وغيره والحال لا يدل على أحدهما فيسئل عن نيته ويصدق في ذلك قضاء وإن كانت حال مذاكرة الطلاق وسؤاله أو حالة الغضب والخصومة فقد قالوا إن الكنايات أقسام ثلاثة في قسم منها لا يدين في الحالين جميعا لأنه ما أراد به الطلاق لا في حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله ولا في حالة الغضب والخصومة وفي قسم منها يدين في حال الخصومة والغصب ولا يدين في حال ذكر الطلاق وسؤاله وفي قسم منها يدين في الحالين جميعا (أما) القسم الأول فخمسة ألفاظ أمرك بيدك اختاري اعتدى استبري رحمك أنت واحدة لأن هذه الألفاظ تحتمل الطلاق وغيره والحال يدل على إرادة الطلاق لان حال الغضب والخصومة إن كانت تصلح للشتم والتبعيد كما تصلح للطلاق فحال مذاكرة الطلاق تصلح للتبعيد والطلاق لكن هذه الألفاظ لا تصلح للشتم ولا للتبعيد فزال احتمال إرادة الشتم والتبعيد فتعينت الحالة دلالة على إرادة الطلاق فترجح جانب الطلاق بدلالة الحال فثبتت إرادة الطلاق في كلامه ظاهرا فلا يصدق في الصرف عن الظاهر كما في صريح الطلاق إذا قال لامرأته أنت طالق ثم قال أردت به الطلاق عن الوثاق لا يصدق في القضاء لما قلنا كذا هذا (وأما) القسم الثاني فخمسة ألفاظ أيضا
(١٠٦)