سخط المخلوق " (1).
إن من عرف الخالق يعلم أن من وجده لا يفقد شيئا، ومن فقده لا يجد شيئا، ومن عرف المخلوق يعلم أن حدوثه وبقاءه وإيجاده وإعدامه بمشيئة الخالق، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإذا أرضى الله بتسليمه لأمر الله ورضاه بقضاء الله الملازم لرضا الله عنه، لا يبالي بسخط المخلوق، فمن رضي عنه المالك لا يبالي بسخط المملوك، كما أن من أسخط الخالق يحل به سخط المخلوق الذي أسلم لله تعالى طوعا وكرها.
قوله (عليه السلام): " إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه " إنما يكون الوصف بعد الإدراك، وما يدرك به الانسان إما الحس، وإما الخيال، وإما الوهم، وإما العقل، وكل واحد منها عاجز عن إدراكه عز وجل لوجوه خاصة بكل واحد منها، ووجوه عامة لجميعها.
منها: أن الإدراك لا يتحقق إلا بإحاطة المدرك بما أدركه، وما لا حد له لا يمكن الإحاطة به، فلا يمكن إدراكه، وكل مدرك وما يدرك به مخلوق لله سبحانه {والله من ورائهم محيط} (2) بالإحاطة القيومية، {وهو معكم أين ما كنتم} (3) وبالإحاطة العلمية {أحاط بكل شئ علما} (4)، ولو أدركته الحواس والأوهام والعقول صار المحيط محاطا، وهو محال، سبحان من أظلم بظلمته كل نور (5).