منهاج الصالحين - الشيخ وحيد الخراساني - ج ١ - الصفحة ٣٥
التوحيد التوحيد هو الاعتقاد بأن الله واحد، ليس مركبا من أجزاء وصفات - لأن وجود أي مركب يحتاج إلى أجزاء وإلى من يركبها، والوجود المحتاج محال أن يعطي الوجود لنفسه، فضلا عن غيره - وأنه لا شريك له في ألوهيته ولا في صفاته (1).
(1) للتوحيد مراتب نشير إليها إجمالا:
توحيد الذات:
كل موجود مركب إلا ذات الباري المقدسة فإنه الواحد الذي الأحدية عين ذاته، وكل ما سواه قابل للقسمة: إما في الوجود كانقسام الجسم إلى المادة والصورة، أو في الوهم كانقسام الزمان إلى الآنات، أو في العقل كانقسام الانسان إلى الانسانية والوجود، وانقسام كل موجود متناه إلى المحدود وحده * (قل هو الله أحد) *.
عن شريح ابن هاني، عن أبيه قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟
قال: فحمل الناس عليه قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟!
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): دعوه، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، ووجهان يثبتان فيه: فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة.
وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه، لأنه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك وتعالى.
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا.
وقول القائل: إنه عز وجل أحدي المعنى، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربنا عز وجل. (التوحيد للصدوق ص 83، باب معنى الواحد والتوحيد والموحد ح 2).
توحيد الذات والصفات:
ومعناه أن صفاته الذاتية - كالحياة والعلم والقدرة - عين ذاته تعالى، وإلا فتعدد الذات والصفة يستلزم التركيب والتجزئة، والمركب من الأجزاء محتاج إلى الأجزاء وإلى من يركبها، وأيضا فإن زيادة الصفات على الذات تستلزم أن تكون الذات فاقدة لصفات الكمال.
من جهة أخرى، فإن زيادة الصفات على الذات، تستلزم أن تكون الذات في مرتبة الذات فاقدة لصفات الكمال، ومتضمنة لإمكان وجودها! بل تستلزم أن تكون الذات أيضا ممكنة الوجود، لأن فاقد صفات الكمال وحامل إمكانها محتاج إلى الغني بالذات!
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف) (التوحيد للصدوق ص 34، باب التوحيد ونفي التشبيه ح 2).
التوحيد في الألوهية:
* (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) * سورة البقرة: 163.
التوحيد في الربوبية:
* (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ) * سورة الأنعام: 164.
* (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * سورة يوسف: 39.
التوحيد في الخلق:
* (قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار) * سورة الرعد: 16.
* (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * سورة النحل: 20.
التوحيد في العبادة:
* (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) * سورة المائدة: 76.
التوحيد في الأمر والحكم:
* (ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) * سورة الأعراف: 54.
* (إن الحكم إلا لله) * سورة يوسف: 40.
التوحيد في الخوف والخشية:
* (فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) * سورة آل عمران: 175.
* (فلا تخشوا الناس واخشوني) * سورة المائدة: 44.
التوحيد في الملك:
* (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) * سورة الإسراء: 111.
التوحيد في النفع والضر:
* (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) * سورة الأعراف: 188.
* (قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا) * سورة الفتح: 11.
التوحيد في الرزق:
* (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) * سورة سبأ: 24.
* (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) * سورة الملك: 21.
التوحيد في التوكل:
* (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * سورة الأحزاب: 3.
* (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * سورة التغابن: 13.
التوحيد في نية العمل:
* (وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) * سورة الليل: 19 - 20.
التوحيد في التوجه:
وهذا مقام الذين أدركوا هلاك الكائنات وفنائها، واستوعبوا حقيقة * (كل شئ هالك إلا وجهه) * سورة القصص: 88، * (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) * سورة الرحمن: 26 - 27.
وتجلي التوحيد في التوجه الفطري إلى خالقهم بجهادهم في الله، في التوحيد في التوجه الإرادي، فتحقق ما استودع في النفوس بلا اختيار في نفوسهم بالعلم والاختيار، ووصلوا من قوله تعالى:
* (وعنت الوجوه للحي القيوم) * (سورة طه: 111) إلى قوله تعالى: * (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) *. سورة الأنعام: 79.