قال: ثم انقطع نفسه، واصفر لونه حتى خشيت عليه (1).
هكذا انقطع نفسه في الدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأذهب عن كل من عمل بهذه الكلمات حسرة الفوت وسكرة الموت، وأحيا بمماته كل نفس بحياة طيبة.
وقال لأخيه: ولقد عرفت من دهاني، ومن أين أتيت، فما أنت صانع به يا أخي؟
فقال الحسين (عليه السلام): اقتله والله. قال: فلا أخبرك به أبدا حتى تلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق عبادته، لا شريك له في الملك، ولا ولي له من الذل، وأنه خلق كل شئ فقدره تقديرا، وأنه أولى من عبد، وأحق من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى، فإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفا ووالدا، وأن تدفنني مع جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإني أحق به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله (تعالى) فيما أنزله على نبيه (صلى الله عليه وآله) في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (2)، فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك بالقرابة التي قرب الله منك، والرحم الماسة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا تهريق في محجمة من دم حتى نلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده، ثم قبض (عليه السلام) (3).
ومن رزقه الله دراية الروايات، وتدبر في قراءة أوراق حياة هذا القرآن الناطق،