وقال بعضهم: لا يجب عليه الأكل، وله تركه وإن مات، لأن له غرضا في الامتناع وهو أن لا يباشر النجاسة.
إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير - وقد ذكرنا صفة المضطر - كان على صاحب الطعام بذله، لقوله عليه السلام: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينية " آيس من رحمة الله "، وقالوا: هذا أولى.
فإذا ثبت هذا لم يخل المضطر من أحد أمرين: إما أن يكون واجدا للثمن أو لا يكون واجدا له.
فإن كان واجدا لم يكون عليه بذله إلا ببدل لأنا ألزمناه البذل لإزالة الضرر عنه، فلا ندخل الضرر على غيره.
وإن كان المضطر غير قادر على ثمنه لعدمه بكل حال أو لعدمه في ذلك المكان، فإن كان قادرا عليه في بلده لم يجب على صاحبه بذله بغير بدله، وفيهم من قال: يجب عليه البذل، بغير بدل، لأن المنافع كالأعيان.
فإذا تقرر أن عليه البذل لم يخل من أحد أمرين: إما أن يبذل أو يمنع، فإن بذله له بثمن مثله كان عليه الشراء للآية التي قدمناها ولأن الواجد بالثمن كالواجد لعينه بدليل أن من وجد الماء بثمن كان كالواجد له في المنع من التيمم، وكذلك القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على الرقبة في الكفارات، هذا إذا بذل.
وأما إذا منع وقال: لا أدفع إليه، أو يبذل أكثر من ثمن مثله لم يخل المضطر من أحد أمرين: إما أن يكون قادرا على قتاله ومكابرته عليه أو غير قادر.
فإن كان قادرا على قتاله ومكابرته كان عليه لأنه كالمستحق له في يديه، ولو كان له مال في يد غيره فمنعه إياه كان له قتاله على منعه.
فإذا ثبت أنه يقاتله عليه فكم القدر الذي يحل له أن يقاتله عليه؟ فمن قال: لا يزيد على سد الرمق، قاتله عليه، ومن قال: له الشبه، قاتله عليه.
فإذا قاتله نظرت: فإن قتل صاحب الطعام كان هدرا لأنه قتله بحق وإن قتل المضطر كان قتله مضمونا لأنه مقتول ظلما.