وأما إذا كان بناؤهم على عمل في موضوع مستحدث لم يتصل بزمانهم، فلا يمكن استكشاف إمضاء الشارع لمثله.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن علم الفقه أصبح في أعصارنا من العلوم النظرية التي لا تقصر عن العلوم الرياضية والفلسفية، في حين كان في أعصار الأئمة (عليهم السلام) من العلوم الساذجة البسيطة، وكان فقهاء أصحاب الأئمة يعلمون فتاويهم، ويميزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره، ولم يكن الاجتهاد في تلك الأزمنة كزماننا.
فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك الأزمنة، كان رجوعا إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة الأئمة (عليهم السلام)، وفي زماننا رجوع إلى من عرف الأحكام بالظن الاجتهادي والأمارات، ويكون علمه تنزيليا تعبديا، لا وجدانيا.
فرجوع الجاهل في هذه الأعصار إلى علماء الدين وإن كان فطريا، ولا طريق لهم بها إلا ذلك، لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوعا بالامضاء، وهذا الارتكاز ما لم يصر ممضى من الشارع، لا يجوز العمل على طبقه، ولا يكون حجة بين العبد والمولى.
ومجرد ارتكازية رجوع كل ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع، وكل جاهل إلى العالم، لا يوجب الحجية إذا لم يتصل بزمان الشارع، حتى يكشف الامضاء، وليس إمضاء الارتكاز وبناء العقلاء من الأمور اللفظية، حتى يتمسك بعمومها أو إطلاقها، ولم يرد دليل على إمضاء كل المرتكزات إلا ما خرج، حتى يتمسك به.