فهل هو كالمجتهد في التفصيل بين كون رأي المقلد مستندا إلى الأمارات، وبين كونه مستندا إلى الأصول، بأن يقال: إن المجتهد يعين وظائف العباد مطلقا واقعا وظاهرا، فكما أن في وظائفه الظاهرية نحكم بالاجزاء، بواسطة أدلة الأصول وحكومتها على الأدلة، فكذا في تكاليف مقلديه، طابق النعل بالنعل؟
أو لا؟ بأن يقال: إن المقلد مستنده في الأحكام مطلقا، هو رأي المجتهد، وهو أمارة على تكاليفه بحسب ارتكازه العقلائي، والشرع أيضا أمضى هذا الارتكاز والبناء العملي العقلائي.
وليس مستند المقلدين في العمل هو أصالة الطهارة أو الحلية، ولا الاستصحاب أو حديث الرفع في الشبهات الحكمية التي هي مورد بحثنا هاهنا، لأن العامي لا يكون موردا لجريان الأصول الحكمية، فإن موضوعها الشك بعد الفحص واليأس من الأدلة الاجتهادية، والعامي لا يكون كذلك، فلا تجري في حقه الأصول حتى تحرز مصداق المأمور به.
ومجرد كون مستند المجتهد هو الأصول، ومقتضاها الاجزاء، لا يوجب الاجزاء بالنسبة إلى من لم يكن مستنده إياها، فإن المقلد ليس مستنده في العمل هي الأصول الحكمية، بل مستنده الأمارة - وهي رأي المجتهد - على حكم الله تعالى، فإذا تبدل رأيه فلا دليل على الاجزاء:
أما دليل وجوب اتباع المجتهد، فلأنه ليس إلا بناء العقلاء الممضى، كما يظهر للناظر في الأدلة، وإنما يعمل العقلاء على رأيه لالغاء احتمال الخلاف،