لا غير، فإذا أمر بالعمل على قول الثقة، فقد أمر بإتيان المأمور به بالكيفية التي أدت إليها الأمارة، فلا محالة يكون المأتي به مصداقا للمأمور به عنده، وإلا لما أمر بإتيانه كذلك، فلا محيص عن الاجزاء، لتحقق مصداق المأمور به، وسقوط الأمر.
ولكنك خبير: بأن إمضاء طريقة العقلاء، ليس إلا لأجل تحصيل الواقعيات، لمطابقة الأمارات العقلائية نوعا للواقع، وضعف احتمال تخلفها عنه، وفي مثل ذلك لا وجه لسقوط الأمر إذا تخلف عن الواقع، كما أن الأمر كذلك عند العقلاء، والفرض أن الشارع لم يأمر تأسيسا.
بل وكذا الحال لو أمر الشارع بأمارة تأسيسا، وكان لسان الدليل هو التحفظ على الواقع، فإن العرف لا يفهم منه إلا تحصيل الواقع، لا تبديله بمؤدى الأمارة.
وأنت إذا راجعت الأدلة المستدل بها على حجية خبر الثقة، لرأيت أن مفادها ليس إلا إيجاب العمل به، لأجل الوصول إلى الواقعيات، كالآيات على فرض دلالتها، وكالروايات، فإنها تنادي بأعلى صوتها بأن إيجاب العمل على قول الثقة، إنما هو لكونه ثقة وغير كاذب، وأنه موصل إلى الواقع، وفي مثله لا يفهم العرف، أن الشارع يتصرف في الواقعيات على نحو أداء الأمارة.
هذا مع أن احتمال التأسيس في باب الأمارات العقلائية، مجرد فرض، وإلا فالناظر فيها يقطع بأن الشارع لم يكن في مقام تأسيس وتحكيم، بل في مقام إرشاد وإمضاء ما لدى العقلاء، والضرورة قاضية بأن العقلاء لا يعملون على طبقها