عبداً من عبيد اللَّه أكرمه واستخلفه ومكن له، ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وثوابه، عاش بقدر، ومات بأجل، وقد كان عهد إلي وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء، وقد علمت يا وليد ان اللَّه تعالى منتقم للمظلوم عثمان بن عفان من آل أبي تراب بآل سفيان لأنهم انصار الحق وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة لي على جميع أهل المدينة.
قال: ثم كتب صحيفة صغيرة كأنها أذن فارة فيها (أما بعد، فخذ الحسين، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللَّه بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه والسلام).
فلما ورد الكتاب على الوليد بن عتبة وقرأه، قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يا ويح الوليد ممن أدخله في هذه الامارة، مالي وللحسين بن فاطمة؟ ثم بعث إلى مروان فدعاه وأقرأه الكتاب فاسترجع مروان، ثم قال: يرحم اللَّه أمير المؤمنين معاوية، فقال له الوليد: أشر علي برأيك في أمر هؤلاء القوم.
فقال مروان: أرى أن تبعث اليهم الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد. فان فعلوا قبلت ذلك منهم وكففت عنهم، وان أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فانهم ان علموا بذلك وثب كل واحد منهم وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه، فعند ذلك اخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به وما لا تقوم به، الّا عبد اللَّه بن عمر فانه لا أراه ينازع في هذا أحداً الّا أن تأتيه الخلافة فيأخذها عفواً، فذر عنك ابن عمر وابعث الى الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللَّه بن الزبير فادعهم إلى البيعة، مع أني اعلم أن الحسين خاصة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبداً، ولا يرى له عليه طاعة، وواللَّه اني لو كنت بموضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى اضرب عنقه كائنا في ذلك ما كان.