والثاني من الكبد والثالث من كبار العروق والرابع من الشعريات وستعرف هذا كله في التشريح، فالذاهب عن الثلاثة الأخيرة إن كانت صورته مائية لم تتماسك وكانت مسالكه عروق الكلى فهو البول أو كل عرق ينتهى إلى مسام فهو العرق وإن كانت غير مائية فان عرض لها قبل الوصول تعفن بحيث استولت عليها الحدة فهي ضروب الاحتراق كالنار الفارسي والحكة أو نقصت حدتها وتكاثفت منصبة إلى مراق فهي الدماميل ونحوها وكل في موضعه. وأما فضلات الهضم الأول النافذة من البواب فهي المارة في الأمعاء وهى كما ستعرفه ستة مختلفة الصور ثم لا شك أن المار فيها يتشكل بشكلها لأنها كالقالب للمواد فإذا مكث فيها فسد قالوا وذلك الماكث إن كان نفس الثفل فالقولنج أو البخار الدخاني فالرياح والقراقر أو رطوبات مجردة فهي التي تتخلق بالتعفين وعمل الحرارة الغريبة فيها حيوانات تسمى الديدان وقد أجمعوا على أنها لا تتكون إلا بلغمية للغروية واللزوجة الموجبين للتشبث المستلزم لما ذكر لضن الطبيعة بالدم وعدم انصبابه إلى الأمعاء وجموده لو صب وانفصاله قبل عمل الحرارة فيه التخلق وفيه نظر من أن الدم مغر لزج وفيه صورة الحياة وهو أقرب من البلغم إلى الحيوان وبخل الطبيعة به عند الحاجة لا مطلقا لفرط استغنائها عنه إما لعلة كما في التخم أو لكثرة كما في حيض الحوامل. وأما عدم انصبابه فممنوع باجماعهم على ذكر أدوية تحلل جامدة من الأمعاء وإلا لكان ذلك هدرا ومتى سلم جموده لو صب فلا نسلم منع جموده من أن يتخلق منه حيوان ثم لا نسلم انفصاله بسرعة قبل أن تعمل فيه الطبيعة لمشاهدتنا له شديد السواد والتغير ولا يكون ذلك إلا عن مكث وأما قول بعضهم إن الدود لا يكون إلا عن البلغم لبياضه فغير مسلم لجواز أن تحيل الطبيعة الدم عند تخلقه دودا كما تفعل في المنى نعم لا يكون دودا عن أحد المرتين لحدة الصفراء ومرارتها وغلظ السوداء وعفوصتها وحرافتهما معا لكن لم لا يقال سلمنا أنه لا يتولد منهما ولا من أحدهما على الخصوص فإذا مازج الباقي تولد الدود لأنه حيوان وكل حيوان لا يكون إلا عن الأربعة وإن كانت الغلبة لواحد. ويمكن الجواب عن هذا بأن وجود الأربعة شرط في وجود حيوان تام الأعضاء والصورة وهذا ليس كذلك ومن ثم لم يبلغ ما يتهيأ من هذه المادة غير مرتبة الدودية كما لا يتهيأ من عفونة الأرواث إلا الذباب فلذلك يغتذى بالقاذورات المشاكلة لاصله كما قيل إن دود البطن يأكل ذلك (وسبب هذه المادة) تناول الأشياء النيئة من نحو الحنطة واللحم والحمص وشرب اللبن النئ والماء قبل الهضم وخلط الأطعمة والامتلاء والجماع والحمام عليه وتوالى التخم وبعد العهد بالأدوية فان تولدت المادة المذكورة في اللفائف الرقاق كان منها النوع المعروف بحيات البطن تزيد إحداها عن ذراع لتوفر المادة هناك لان الكبد لم تبلغ أن تفرقها بالجذب والتقسيم وليس هناك من الثقل ما يفسدها لمجاورته ولأن هذه الأمعاء طوال تمتد فيها الرطوبة فتكون كشكلها (وعلامات هذا النوع) الغشى والخفقان ووجع فم المعدة والصدر وهيجان السعال والغثيان بل والقئ واصفرار اللون وغالب علامات الصرع، أما التلوي والحركات وصرير الأسنان في النوم وسيلان اللعاب وثقل الرأس فعلامات عامة لمطلق أنواع الدود وكذا بريق بياض العين والجوع والعطش الكاذبان في الأغلب وجفاف الفم يقظة حتى إن صاحبه يتحرى ترطيبه بلسانه وإن تشبثت المادة بقولون والأعور وتشكلت مستديرة تولد منها الدود المعروف بالمستدير وهو دود إلى الحمرة لما في مادته من الدم أو كان نعفنها غالبا في الأعور وبسطتها الحرارة عرضا تولد حب القرع ومادة هذين النوعين أقل من الأولى ضرورة لتفرقها وانقسامها أو انحطت المادة إلى المستقيم تولد دود صغار لقلتها ويعرف بالخلى وهو شر من الجميع لخبث مادته وإن قلت وعلامة النوعين الأولين
(٩٧)