تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ١ - الصفحة ١٨
الصحيحة في الترتيب. واعلم أنه لا ترتيب بين الحلو وغيره إذ لابد وأن تجذبه المعدة إلى نفسها وإن أكل أخيرا وإنما الترتيب في غيره ولا يجوز التملي بحيث تسقط الشهوة بل يقطع وهى باقية ومتى كان الصدر ثقيلا وطعم الغذاء في الجشاء والثفل لم يخرج لم يجز التناول. ويجب على من وثق بنقاء بدنه أن لا يتناول طعاما حتى تشتهيه معدته أما ذوو الاخلاط فلا يصابر والجوع خصوصا المحرورين فإنها تنصب إلى المعدة فتفسد الشاهية ونقل عن الطبيب أنه مكث مدة عمره لم يأكل الرمان والتوت وكان يقول إن لي بدنا يضره الرمان والتوت وزاد بعضهم البطيخ والمشمش وقالوا إن هذه الأربعة تتكيف بما غلب على البدن من الاخلاط وعندي أنه ينبغي أن تؤكل وتتبع بما يصلحها كالسكنجبين أو تخرج بالقئ أو الاسهال فإنها تورث التنقية وينبغي أن يمزج بالحلو الحامض والحريف والمالح بالدسم والقابض بالمحلل وأن يكثر البلغمي ما احتمل من الحلو والسوداوي من الدهن والصفراوي من الحامض والدموي من نحو العدس والباقلاء لما في ذلك من التعديل وأن يجعل الغذاء مضادا للزمان فيستكثر في الربيع من البارد اليابس كالزرشكيات والممزوجات ويهجر الحلاوات واللحوم والبيض ويبالغ في الصيف من نحو اللبن والبقول الباردة الرطبة ويهجر كل حار يابس كلحم الجمل والحمام والحجل والخريف عكس الربيع والشتاء عكس الصيف. ومن وصايا الحكماء في هذا المحل من أراد البقاء ولم يبق إلا الله فليباكر بالغداء ولا يتماسى في العشاء ولا يأكل على الامتلاء فإنما يأكل المرء ليعيش لا أنه يعيش ليأكل. ولبعضهم من اجتنب النتن والدخان والغبار ولم يمتلئ من الطعام ولم يأكل عند المنام ونقى الفضول في معتدلات الفصول كان حريا بأن لا يطرقه المرض إلا إذا حل الاجل. وقال أبقراط بالغ في الدواء ما أحسست بمرض ودعه ما وثقت بالصحة والحمية في أيام الصحة كالتخليط في أيام المرض وأخذ الدواء عند الاستغناء عنه كتركه عند الحاجة إليه. وقال جالينوس من أقلل مضاجعة النساء واجتنب الاكل عند المساء ولم يقرب ما بات من الطعام أمن من مطلق الأسقام، واستوصى بعضهم طبيبا فقال دع الامتلاء وأقلل من الماء واهجر النساء ولا تأكل ما يورث الهضم العناء تأمن من الأذى، وقال بعض الفضلاء من بات وفى بطنه شئ من التمر فقد عرض نفسه لأنواع البلاء، ومن تناول عند النوم قليلا من الجوز فقد حصن نفسه من الأذى، ومن تناول اللبن والحوامض أسرعت إليه الأمراض، ومن لم يرتض قبل أكله فليستهدف للمزمنات. ومن القوانين الكلية لسائر الأمزجة الرياضة قبل الاكل وستأتى والدخول إلى الخلاء وعدم شرب الماء إلى حين الهضم فمن لم يستطع فليأخذ القليل من الماء البارد مصا من ضيق بعد مزجه بنحو الخل. وأما المشروبات فيعدل لها المزاج من أرادها كالبنفسجي للصفراوي والعسلي للبلغمي والفاكهي للسوداوي والليموني للدموي وسيأتى بسط ما في الماء والأشربة من النفع والضرر والجيد والردئ في الباب الثالث وإذا تقرر أنها لمجرد البذرقة فلا يجوز أخذها قبل الهضم ولكنه مرجوح والصحيح أن الأشربة حتى الشراب الصرف مشتملة على البذرقة والترقيق والتغذية وإيصال المأكولات إلى أقاصى العروق فليحذ بها حذو الغذاء أما الماء فلا تغذية فيه كما ستراه فلا يؤخذ بعد الأسباب الضرورية كالنوم والحركة ولا بعد تتابع الاستفراغ كجماع وحمام، وأما منع بعضهم عن الشرب قائما وباليسار فقد قال الأكثر هو غير طبي والصحيح أنه مع غير الجلوس ضار وكذا بالثقيل والواسع، وأما باليسار فان ثبت أنه شرعي فصاحب الشرع أدرى بما فيه ومجرد النهى دليله إذا ثبت وإن لم يقله الأطباء هذا ما يليق تحريره في هذا الباب وسيأتي باقي العلم في مواضعه.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 المقدمة بحسب ما أسلفناه وفيها فصول: 4
3 فصل في تعداد العلوم وغايتها وحال هذا العلم معها 4
4 فصل ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم إما الإلهام أو الفيض المنزل الخ 5
5 فصل وإذا قد عرفت المنزع والدستور في تقسيم العلوم فينبغي أن تعرف أن حال الطب معها على أربعة أقسام 7
6 فصل ينبغي لهذه الصناعة التعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح بذلها وكشف دقائقها 8
7 (الباب الأول في كليات هذا العلم والمدخل إليه 9
8 فصل وإذا كمل البدن مستتما بهذه الأمور صار حينئذ معروض أمور ثلاثة 13
9 فصل ومما يلحق بهذه الأسباب أمور تسمى اللوازم 15
10 فصل ومما يجري مجرى اللوازم الأحوال الثلاثة أعني الصحة والمرض والحالة المتوسطة 15
11 فصل ولما كانت هذه الأمراض قد تخفى على كثير كانت الحاجة مشتدة إلى إيضاحها الخ 16
12 فصل اعلم أن التناول أما فاعل بالمادة والكيفية ذاتا وعرضا وهو الغناء الخ 17
13 (الباب الثاني) في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات الخ 19
14 فصل اعلم أن كل واحد من هذه المفردات والمركبات الخ 19
15 فصل وإنما كان التداوي والاغتذاء بهذه العقاقير للتناسب الواقع بين المتداوي والمتداوى به 20
16 الفصل الثاني في قوانين التركيب وما يجب فيه من الشروط والأحكام 30
17 (الباب الثالث) في ذكر ما تضمن الباب الثاني أصوله من المفردات والأقراباذينات 32
18 حرف الألف 33
19 حرف الباء 65
20 حرف التاء 90
21 حرف الثاء 100
22 حرف الجيم 102
23 حرف الحاء 113
24 حرف الخاء 135
25 حرف الدال 149
26 حرف الذال المعجمة 160
27 حرف الراء 164
28 حرف الزاي 172
29 جرف السين المهملة 185
30 حرف الشين 207
31 حرف الصاد 221
32 حرف الضاد المعجمة 225
33 حرف الطاء المهملة 229
34 حرف الظاء المعجمة 234
35 حرف العين المهملة 235
36 حرف الغين المعجمة 242
37 حرف الفاء 246
38 حرف القاف 253
39 حرف الكاف 265
40 حرف اللام 277
41 حرف الميم 286
42 حرف النون 326
43 حرف الهاء 334
44 حرف الواو 338
45 حرف الياء 340