الصحيحة في الترتيب. واعلم أنه لا ترتيب بين الحلو وغيره إذ لابد وأن تجذبه المعدة إلى نفسها وإن أكل أخيرا وإنما الترتيب في غيره ولا يجوز التملي بحيث تسقط الشهوة بل يقطع وهى باقية ومتى كان الصدر ثقيلا وطعم الغذاء في الجشاء والثفل لم يخرج لم يجز التناول. ويجب على من وثق بنقاء بدنه أن لا يتناول طعاما حتى تشتهيه معدته أما ذوو الاخلاط فلا يصابر والجوع خصوصا المحرورين فإنها تنصب إلى المعدة فتفسد الشاهية ونقل عن الطبيب أنه مكث مدة عمره لم يأكل الرمان والتوت وكان يقول إن لي بدنا يضره الرمان والتوت وزاد بعضهم البطيخ والمشمش وقالوا إن هذه الأربعة تتكيف بما غلب على البدن من الاخلاط وعندي أنه ينبغي أن تؤكل وتتبع بما يصلحها كالسكنجبين أو تخرج بالقئ أو الاسهال فإنها تورث التنقية وينبغي أن يمزج بالحلو الحامض والحريف والمالح بالدسم والقابض بالمحلل وأن يكثر البلغمي ما احتمل من الحلو والسوداوي من الدهن والصفراوي من الحامض والدموي من نحو العدس والباقلاء لما في ذلك من التعديل وأن يجعل الغذاء مضادا للزمان فيستكثر في الربيع من البارد اليابس كالزرشكيات والممزوجات ويهجر الحلاوات واللحوم والبيض ويبالغ في الصيف من نحو اللبن والبقول الباردة الرطبة ويهجر كل حار يابس كلحم الجمل والحمام والحجل والخريف عكس الربيع والشتاء عكس الصيف. ومن وصايا الحكماء في هذا المحل من أراد البقاء ولم يبق إلا الله فليباكر بالغداء ولا يتماسى في العشاء ولا يأكل على الامتلاء فإنما يأكل المرء ليعيش لا أنه يعيش ليأكل. ولبعضهم من اجتنب النتن والدخان والغبار ولم يمتلئ من الطعام ولم يأكل عند المنام ونقى الفضول في معتدلات الفصول كان حريا بأن لا يطرقه المرض إلا إذا حل الاجل. وقال أبقراط بالغ في الدواء ما أحسست بمرض ودعه ما وثقت بالصحة والحمية في أيام الصحة كالتخليط في أيام المرض وأخذ الدواء عند الاستغناء عنه كتركه عند الحاجة إليه. وقال جالينوس من أقلل مضاجعة النساء واجتنب الاكل عند المساء ولم يقرب ما بات من الطعام أمن من مطلق الأسقام، واستوصى بعضهم طبيبا فقال دع الامتلاء وأقلل من الماء واهجر النساء ولا تأكل ما يورث الهضم العناء تأمن من الأذى، وقال بعض الفضلاء من بات وفى بطنه شئ من التمر فقد عرض نفسه لأنواع البلاء، ومن تناول عند النوم قليلا من الجوز فقد حصن نفسه من الأذى، ومن تناول اللبن والحوامض أسرعت إليه الأمراض، ومن لم يرتض قبل أكله فليستهدف للمزمنات. ومن القوانين الكلية لسائر الأمزجة الرياضة قبل الاكل وستأتى والدخول إلى الخلاء وعدم شرب الماء إلى حين الهضم فمن لم يستطع فليأخذ القليل من الماء البارد مصا من ضيق بعد مزجه بنحو الخل. وأما المشروبات فيعدل لها المزاج من أرادها كالبنفسجي للصفراوي والعسلي للبلغمي والفاكهي للسوداوي والليموني للدموي وسيأتى بسط ما في الماء والأشربة من النفع والضرر والجيد والردئ في الباب الثالث وإذا تقرر أنها لمجرد البذرقة فلا يجوز أخذها قبل الهضم ولكنه مرجوح والصحيح أن الأشربة حتى الشراب الصرف مشتملة على البذرقة والترقيق والتغذية وإيصال المأكولات إلى أقاصى العروق فليحذ بها حذو الغذاء أما الماء فلا تغذية فيه كما ستراه فلا يؤخذ بعد الأسباب الضرورية كالنوم والحركة ولا بعد تتابع الاستفراغ كجماع وحمام، وأما منع بعضهم عن الشرب قائما وباليسار فقد قال الأكثر هو غير طبي والصحيح أنه مع غير الجلوس ضار وكذا بالثقيل والواسع، وأما باليسار فان ثبت أنه شرعي فصاحب الشرع أدرى بما فيه ومجرد النهى دليله إذا ثبت وإن لم يقله الأطباء هذا ما يليق تحريره في هذا الباب وسيأتي باقي العلم في مواضعه.
(١٨)