فالوحدة بهذا المستوى من الأهمية، قضية يجب حمايتها والحرص عليها في كل قول وفعل، ولا شك في أن من تغافل عن ذلك فقد وقع في التقصير.
فمن المسلم به إذن: أن الشارع المقدس لن يرتضي لأحد أي عمل من شأنه أن يقدح بهذه المسؤولية الشرعية.
ولكن، من المسلم أيضا بين المسلمين، أنه جل جلاله لن يرتضي لعبده المكلف أن تكون حجته في تدينه وانتمائه المذهبي: ما وجد عليه آباءه!
إذن ليس أمام هذا العبد المكلف المسؤول إلا أن يتعاهد مسؤوليته بالبحث والدرس والتحقيق، على قدر استطاعته، ليكون قد اتخذ موقفه، وحدد التزاماته عن وعي وإدراك حقيقيين.
وإذا كان كذلك، فثمة مسألة أخرى لا بد من الإشارة إليها:
ففي منهج البحث العلمي، هل سيكون الباحث ملزما تأييد وموافقة كل ما تتبناه المذاهب الإسلامية، على اختلافها؟
فينبغي له أن يكون - تحت عنوان حفظ الوحدة الإسلامية - مؤيدا لكل الفروع والتفاصيل التي تعترض طريق البحث؟
إن شيئا من هذا الإلزام سوف لا يبقي على أي معنى للبحث والنظر، بل سيبطلهما من الأساس. فالبحث العلمي إنما يتوخى الحقائق المجردة عن أية مواقف مسبقة، وأية اعتبارات أخرى تصرفه عن مساره، وهذا محال مع وجود ذلك الإلزام.
فليس من الصحيح إذن أن نطالبه بموافقة الجميع، حتى فيما اختلفوا فيه، بحجة تجنب الخلاف والفرقة، بل إن فكرة كهذه ستكون مصدر أخطار على الوحدة بين المسلمين قد لا يوازيها خطر يأتي من عمل عدائي مقصود!
لأن هذا الفهم يعني بالنتيجة: أن علينا أن نحتفظ بكل تلك الخلافات وبأسبابها ودواعيها أيضا إلى الأبد، لأنها كلها كانت آراء رجال السلف