هذا بدلا من أن نسود الصفحات العديدة بالنداءات الوحدوية:
والعبارات الخطابية الرنانة، والألفاظ الأدبية الساحرة، التي تصور درجة عظمى من الاتحاد والتماسك، ولكن قد لا تجد لها مصداقا في القلوب.
وفي أبسط لغة، ومع الحد الأدنى من البرهان، نقول: إن كلا منا يشهد للآخرين بأنهم مسلمون..
وبهذه الشهادة وحدها يترتب عليه أن يحفظ تجاههم كل حقوق المسلم على أخيه المسلم، والتي بينها الشارع المقدس في عشرات، بل مئات النصوص من قرآن وسنة:
فدمه، وعرضه، وماله حرام، واغتيابه حرام، وبهتانه من الكبائر، وسبابه فسوق، وقتاله كفر، والغش له والغدر به جفاء مع الدين كله، بل عليه أن يعيش معه كأعضاء الجسد الواحد، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، ولا يقبل فيه أقوال الوشاة والساعين في بث الفرقة والخلاف.
كل هذا، وكثير غيره، يعد من أوليات الأخلاق الإسلامية، ومما يتعلمه المسلم في أول حياته، وابتداء من أبسط الحقوق: كإفشاء السلام، وعيادة المريض، وانتهاء بأكبرها: كالايثار بالنفس.
فما بالنا ننسى كل هذا، بمجرد أن نختلف في مواردنا الفقهية؟!
ثم نجعل نقطة الخلاف هذه، قبلتنا التي إليها نتوجه في أفكارنا، واهتماماتنا، وأحاديثنا في جلسات سمرنا، لتصبح فيما بعد مواقف سياسية وعقائدية تفصل بيننا؟
ولماذا لا ندرك أن كل ما حصل في هذه الأمة من انقسامات وتشعب في الموارد، إنما هو وليد الخلاف السياسي الذي ظهر مرة، ثم تهيأ له أن ينمو بعدما ظهر، وهو لأجل أن ينمو ويستمر، لا بد أن يعتمد أساسا " شرعيا " وعليه فلا بد أن يشق له مورده الفقهي المناسب، ولو تدريجيا، وعن غير قصد، ولكنه