ألا ترى - إلى هنا - أن أحد القولين يكذب الآخر؟ - فعلى القول الأول أنها نزلت في مكة قبل الهجرة، في حياة أبي طالب.
وعلى الثاني أنها نزلت بعد الهجرة، وبعد زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة!
ثم انظر إلى ما في تفسير المنار (1)، إذ يقول: وأما المتبادر من الآية، فالظاهر أنه الأمر بالتبليغ في أول الإسلام، ولولاه لاحتمل أن يكون المراد به تبليغ أهل الكتاب ما بعد هذه الآية. انتهى.
لاحظ فيه هذه العبارات: (أما المتبادر) (فالظاهر) (ولولاه) (لاحتمل)!
وأغرب من هذا التردد، ما قطع به المراغي من كون هذه الآية مكية!
إذ قال: وقد وضعت هذه الآية - وهي مكية - في سياق تبليغ أهل الكتاب - وهو مدني - لتدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عرضة لإيذائهم أيضا، وأن الله تعالى عصمه من كيدهم (2).
واقرأ بعده قول الثعالبي (3): ولعلمائنا في الآية تأويلات، أصحها: أن العصمة عامة في كل مكروه، وأن الآية نزلت بعد أن شج وجهه، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وآله وسلم.
ومثل هذا تماما ما قاله الزمخشري (4).
وأما ابن كثير، فقد ذكر الروايات التي ترجع إلى التبليغ أول الإسلام،