أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق - إشارة إلى فمه - لدليل آخر على علم الرسول بشكهم في عدالته، وأنهم يجوزون عليه الخطأ وقول الباطل فأقسم بالله بأنه لا يخرج من فمه إلا الحق.
وهذا هو التفسير الصحيح لما جاء في قوله سبحانه وتعالى:
وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى (النجم: 3 - 4).
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم معصوم عن الخطأ وقول الباطل وبهذا فإننا نجزم بأن كل الأحاديث والروايات التي وضعت في زمن الأمويين والتي يستفاد منها بأنه غير معصوم لا يصح شئ منها، كما أن الحديث المذكور يشعرنا بأن تأثيرهم على عبد الله بن عمرو كان كبيرا حتى أمسك عن الكتابة كما صرح هو بنفسه إذ قال: فأمسكت عن الكتابة وبقي على ذلك إلى أن جاءت مناسبة تدخل فيها رسول الله بنفسه لإزالة الشكوك التي تثار حول عصمته وعدالته، وكانت كثرا ما تشار حتى بمحضره صلى الله عليه وآله وسلم كقولهم له صراحة: أأنت نبي الله حقا؟ (1) أو: أنت الذي تزعم أنك نبي (2)، أو والله ما قصد بهذه القسمة وجه الله (3).
أو كقول عائشة للنبي: إن ربك يسارع في هواك (4) أو قولها له: أقصد إلى غير ذلك من العبارات النابية التي تعرب عن شكهم في عصمته واعتقادهم بأنه يحيف ويظلم ويخطئ ويكذب والعياذ بالله.
فكان صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم رؤوفا رحيما كثيرا ما يزيح تلك الشبهات بقوله مرة: ما أنا إلا عبد مأمور، ومرة يقول: والله إني لأبر لله وأتقى، وأخرى يقول: والذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق، وكثيرا ما كان يقول:
رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر.
فلم تكن هذه الكلمات النابية التي تطعن في عصمته وتشكك في نبوته