وهذا أقرب للواقع وللحديث الشريف الذي فيه إخبار بالغيب من الذي لا ينطق عن الهوى.
ثم لو كان فعلا ندم وتاب ورجع عن غيه وظلمه، فلماذا لم يعمل بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره وأخذل من خذله)؟
فلماذا لم ينصر عليا ولم يواله ولم يسترضه؟ وهب أن ذلك لا يمكنه فعله، فهلا ركب في الناس الذين جاء بهم للحرب وأخبرهم بأنه استبصر إلى الحق وتذكر ما كان ناسيا ، وطلب منهم أن يكفوا عن الحرب، فيحقن بذلك دماء الأبرياء من المسلمين؟
لكن شيئا من ذلك لم يقع فعرفنا بأن أسطورة التوبة والاعتزال هي من خيال الوضاعين الذين بهرهم حق علي وباطل الزبير وبما أن صاحبه طلحة قتله مروان بن الحكم فاختاروا ابن جرموز لقتل الزبير غدرا حتى يتسنى لهم التأويل ممتلكاتهم يدخلون فيها من يشاؤون ويمنعون منها من يشاؤون.
ويكفينا دليلا على كذب الرواية ما جاء في رسالة الإمام علي ودعوتهما للرجوع عن الحرب وقوله: فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجمع العار والنار.
ولم يحدث أحد أنهما استجابا لندائه ولا امتثلا لأمره ولا ردا على رسالته.
أضف إلى كل ذلك أن الإمام وقبل بدء المعركة دعاهم لكتاب الله كما قدمنا فرفضوا الامتثال وقتلوا الشاب الذي حمل لهم القرآن عند ذلك استباح علي قتالهم.
وإنك لتقرأ بعض المهازل عند المؤرخين فتعرف أن البعض منهم لا يعرفون الحق ولا يفقهون مثال ذلك: يقول بعضهم بأن الزبير لما علم بأن عمار بن ياسر جاء مع علي بن أبي طالب، قال: يا جدع أنفاه، يا قطع ظهراه، ثم أخذه إفكل فجعل السلاح ينتفض في يده، فقال أحد أصحابه:
ثكلتني أمي هذا الزبير الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه؟.