ألم تر أن الله سبحانه أشار إلى أن القرآن الكريم يفتقر إلى مبين، فقال جل وعلا: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم (النحل: 44)؟ فلو لم يكن النبي يبين للناس ما نزل إليهم، لم يكونوا ليعرفوا أحكام الله ولو نزل القرآن بلغتهم!
وهذا أمر بديهي يعرفه كل الناس، ورغم نزول القرآن بفرائض الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فالمسلمون في حاجة لبيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي أوضح كيفية أداء الصلاة، ومقدار نصاب الزكاة، وأحكام الصوم، ومناسك الحج، ولولاه لما عرف الناس من ذلك شيئا.
وإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بحاجة إلى مبين، فإن السنة النبوية أحوج من القرآن إلى من يبينها، وذلك لكثرة الاختلاف الذي حصل فيها ولكثرة الدس والكذب الذي طرأ عليها، وإنه من الطبيعي جدا، بل من الضروريات العقلية أن يعتني كل رسول بالرسالة التي بعث بها، فيقيم عليها وصيا وقيما بوحي من ربه حتى لا تضيع الرسالة بموته، ولأجل ذلك كان لكل نبي وصي.
ولكل ذلك أعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خليفته ووصيه على أمته علي بن أبي طالب ورباه منذ صغره بأخلاق النبوة، وعلمه في كبره علم الأولين والآخرين، وخصه بأسرار لا يعرفها غيره، ودل الأمة عليه مرارا وأرشدهم إيه تكرارا، فقال لهم إن هذا أخي ووصيي وخليفتي عليكم، وقال: أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي، وقال: علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه، وقال: أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله، وهو الذي يبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، وقال: لا يؤدي عني إلا علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى، علي مني وأنا منه وهو باب علمي (1).