فكان كما قلنا قد اتخذ الزهد وسيلة، ثم رأى أنها وسيلة غير مجدية، فأعلن تمرده على هذه الطريقة، وعاد إلى طعامه وشرابه وكسائه، وقرر أن يتوقف عن قتل شهوات نفسه بالجوع، وأعلن أن خير ما يوصله إلى غايته عقل يتغذى في جسم سليم. وقد خيب فعله هذا أمل أتباعه فيه، ففارقوه آسفين على ما آل إليه أمره.
الإشراقة والكشف عن الأسرار:
على أن غوتاما - وإن كان قد عدل عن إماتة نفسه وتعذيبها - فإنه لم يعدل عن تفكيره، ومن الواضح أن الإنسان يستطيع فجأة أن يغير أحواله المادية من صوم إلى طعام، ومن تقشف إلى بذخ، ولكنه لا يستطيع بسهولة أن يتخلى عن تفكيره وفلسفته، وبينما كان يمشي وحيدا موحشا مال إلى شجرة في غابة أو رويلا (Uruvala) ليتفيأ ظلالها ريثما يتناول طعامه، ولكن المقام طاب له في ظل هذه الشجرة، ويقال إنه أحس برغبة في البقاء تحتها بعض الوقت، فاستجاب لهذه الرغبة وبقي تحت الشجرة، وفي هذا المكان حدث ما تمناه غوتاما ويقول غوتاما واصفا هذه المرحلة:
" سمعت صوتا من داخلي يقول بكل جلاء وقوة: نعم في الكون حق، أيها الناسك، هنا لك حق لا ريب فيه، جاهد نفسك اليوم حتى تناله.
" فجلست تحت تلك الشجرة في تلك الليلة من شهر الأزهار، وقلت لعقلي وجسدي: اسمعا، لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق، لينشف الجلد، ولتتقطع العروق، ولتنفصل العظام، وليقف الدم عن الجريان، لن أقوم من مكاني حتى أعرف الحق الذي أنشده، فينجيني ".
وتم له في هذه الجلسة الإشراقة التي كان يترقبها (1)، ويراها بعض الباحثين الغربيين وحيا (2)، ويصورها بوذا بأنها صوت حادثه وسنروي هذا الحديث عند الكلام عن النرفانا (3).