نظرة أخيرة على زوجته وطفله، وتسلل من القصر، وامتطى جواده، وانطلق إلى مرحلة جديدة، وكانت سنه آنذاك تسعة وعشرين سنة (1).
سار سذهاتا في تلك الليلة شقة بعيدة، حتى إذا أسفر الصبح توقف خارج أراضي عشيرته على ضفة نهر رملية، وهناك ترجل، وقطع بسيفه ذوائبه المتهدلة، وأماط عنه كل حلية، وأرسلها مع حصانه وسيفه إلى منزله، ثم واصل سيره حتى التقى براهبين من البراهمة، فبقي معهما وتتلمذ عليهما، وأراد عن طريقهما أن يصل إلى غايته، ولكن بعد فترة تأكد له أن ما يعيشان فيه من زهادة وتقشف شئ مقصود لذاته، كأنه الغاية التي يتطلعان إليها، وكان سذهاتا يريد الزهادة وسيلة لمعرفة أسرار الكون، ولذلك هجرهما سذهاتا، وقرر أن يسعى بنفسه لنيل المعرفة وكشف أسرار الكون، وقد سلك من أجل هذا وسائل متعددة كالتصوف والفلسفة (2)، ثم انجذب نحو دنيا الرهبنة، فبدأ حياة الترهب، لذلك يحسن بنا في هذه المرحلة من حياته أن نسميه غوتاما Gautama أي الراهب (3)، أوغوتاما أسير الفلسفة الهندية.
وقبل أن نسترسل في هذه المرحلة من حياة سذهاتا يحسن بنا أن نتساءل: لماذا اتجهت فلسفة جوتاما إلى الآلام والأشجان حتى أصبحت الحياة كلها في نظره جحيما لا يطاق ونسي ما في الحياة من معروف وخير وتخفيف ضر وتحقيق أمل؟ ثم لماذا اتخذ التقشف والانقطاع والتبتل سبيلا للوصول إلى كشف الحجاب عنه؟.