بل يسلك كل واحد سبيلا غير سبيل أخيه، بشروا بهذه الدعوة، النبيلة في مبدئها، النبيلة في وسطها، النبيلة في غايتها.
وبهذا الاصرار من بوذا ومريديه استطاعت الدعوة أن تنجح وتنتشر.
نجاح بوذا وانتشار البوذية:
شهد القرن الخامس قبل الميلاد نهاية اثنين من عظماء القادة والمفكرين، كان بوذا أولهما، وكان سقراط ثانيهما، وكل منهما هاجم المعتقدات والطقوس وسخر من الأفكار التي كان الناس يتبعونها في عهده، ولم يكن بوذا بأقل من سقراط معارضة وسخرية، فقد قال بإلغاء الطبقات، ولم يعترف بالآلهة الويدية، ولكنا مع هذا نجد أن سقراط يصادف كثيرا من العناء والتعذيب، بل الحكم بالاعدام وتنفيذ هذا الحكم، ولكن بوذا عاش هادئا، ومات هادئا، ورأى بنفسه نجاحه وذيوع دعوته، فما السر في هذا النجاح الذي صادفه بوذا دون كبير عناء؟
الإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة سبقت الإشارة إليها عند مطلع الكلام عن البوذية، وهي أن اضطراب الناس وحيرتهم في الهند كانا داعيين لقبول أي مذهب يرد أو فكرة تخطر بالبال، ثم إن الغريزة الهندية أكثر احتمالا للتجديد الديني من الغريزة اليونانية.
على أن نجاح بوذا اشتركت فيه بالإضافة إلى الطبيعة الهندية عوامل أخرى من أهمها قوله بإلغاء الطبقات، فقد كان ذلك داعيا إلى أن يتبعه كثيرون ممن انحطت طبقاتهم أو ممن كانوا يحسون بثورة ضد هذه الطبقات المتعددة المتفاوتة السيادة في الهند، وسنتحدث فيما بعد عن موقف بوذا من الطبقات ونتائج هذا الموقف.