وجهه: أنت أنت. يقصد: أنت الإله. فنفاه علي إلى المدائن. وربما يقال إن عقوبة النفي لم تكن كافية، ولكن يجاب على ذلك أن فسق ابن سبأ لم يكن قد وضح بعد، وأن الجملة التي قالها " أنت أنت " لم تكن ظاهرة الدلالة على المقصود الضال الذي كانت هذه الجملة مبدأه، ولذلك نجد موقف على قويا بالغ القوة عندما اتضح ذلك المقصود فيما بعد، فيروي ابن حزم (1) أن قوما من أصحاب عبد الله بن سبأ أتوا عليا وقالوا له: أنت هو. فقال لهم: ومن هو؟
فقالوا: أنت الله. فثار على وحكم عليم بالاعدام حرقا، وأمر بإشعال نار وألقاهم فيها (2).
5 - من صور الأخلاق عند الهندوسيين إن أغلى ما يطمع فيه البرهمي هو الانطلاق والاندماج في برهما كما قلنا، ودستور العقل الهندي للوصول إلى هذه الغاية كان دائما الزهادة المفرطة بالصوم وأرق الليل وتعذيب النفس (3)، كما كان بأن يعيش أسير الحرمان، ويحمل نفسه ألوان البلاء، وبأن يبدو دائما كثير الهموم والخوف والتشاؤم، وهو لا يتمنى الموت، لأن الموت ينقله إلى دورة جديدة من دورات حياته، بل يرجو لنفسه الفناء في برهما.
ومن أجل ذلك حفلت حياة كثير من الهنود بالبؤس، ومحاربة الملاذ، والسلبية، والتسول، وتعذيب النفس، وقسمت الفلسفة الهندية الحياة أربع مراحل، وجعلت لكل مرحلة منهجا يليق بها، وكل دور مدته خمسة وعشرون عاما باعتبار متوسط العمر مائة عام، فالدور الأول دور التربية الجسدية والعقلية والروحية، والدور الثاني دور الحياة العائلية، فيتزوج المرء في هذا الدور ويكون له أهل وذرية ويقوم بواجباته الأهلية، وفي الدور الثالث