الدعوة للبوذية وإعداد دعاتها:
وبعد أن كشف عن بوذا الحجاب وأدرك منيته وقف مترددا بعض الوقت وسائل نفسه: أيقنع وحده بهذا النعيم الذي انغمس فيه.
ويستمتع وحده بهذا السر الذي انكشف له؟ أم يبشر به ويذيع أمره بين الناس حتى ينعموا معه بتلك السعادة وذلك السرور؟ وفكر بوذا في قصور البشر عن إدراك هذه الحقائق السامية، وخشي أن يكذبه الناس ويرموه بالافتراء أو الجنون، فأوشك أن يكتفي بهذا السر لنفسه، غير أن جانب الخير - كما يقول - غلب عليه، والميل إلى الايثار رجح في نفسه، ورأى أن عليه أن يدعو الناس، وليس عليه أن يفكر في النتيجة، إنه يريد الخير لهم والهداية، فإن لم يستجيبوا فقد أدى واجبه وأرضى ضميره (1). ويعد البوذيون هذا الاتجاه من بوذا مطلع خير لهم وللبشرية جمعاء، وهم يصلون ويكبرون ويعلنون سرورهم واغتباطهم كلما وصلوا في قصة بوذا إلى هذه النقطة (2).
وعند ما استقر رأى بوذا على أن ينشر دعوته ترك غابة بوذا كيا إلى مدينة بنارس حيث كان يعيش رفاقه الخمسة الذين زاملوه في فترة جهاده وتقشفه، ولما دعاهم لمذهبه لم يبدو أية مقاومة، فقد كان ماضيهم معه يدعوهم لقبول دعوته، ثم خطا بوذا خطوة أخرى فجمع حوله مجموعة من الشبان بلغ تعدادهم الستين، وعلمهم مبادئه ولقنهم دعوته، ووكل إليهم القيام بنشرها ريثما يكمل هو رحلته ليرى أسرته، وقد حاولت أسرته أن تكفه عن هذه الدعوة التي رأوها خيالات تبدت إليه، ولكنه لم يكف، ولم يغيره بريق المال وضروب الرخاء والسعادة. وعاد إلى