أن بوذا لم يكن نبيا لأنه لم يقرر عقائد، ولم يكن كذلك فيلسوفا لأنه لم يؤسس مذاهب فلسفية، وإنما أسس دعوته بناء على تجربته الروحية التي لا يمكن بيانها بالألفاظ، فدعوته حكاية عن هذه التجربة، وعن الطريق المؤدي إليها، وبوذا يقول إن الحق لا يعرف بالنظريات، بل يعرف بالسير المتواصل في طريقه. وفي ذلك يقول أيضا: إن عملي ملكي، وعملي ميراثي، وعملي هو الرحم الذي يحملني، وعملي هو الجنس الذي أنتمي إليه، وعملي هو الملجأ الذي ألتجئ إليه.
فأساس النظام الذي وضعه بوذا العمل لا العقيدة، فقد كان يحاول خلق عادة لا إقرار عقيدة، وعلى هذا ليس في تعاليمه إلا القليل الذي يصح أن يوصف بالعقيدة، كما أنه لم يأمر بعبادات ولا رياضيات تقشفية، وكل إلحاحه كان على التدريب الأخلاقي (1).
3 - أخلاق الجماعة البوذية:
سبق عند الكلام عن الجينية أن ذكرنا أن الجينية فرقتان: خاصة وهم الرهبان المنقطعون للتبتل، وعامة وهم أتباع الجينية من غير الرهبان، أما في البوذية فلم تكن هناك طائفة خاصة من القسس والرهبان، وكان أتباع بوذا جماعة واحدة يتعاون أفرادها على الوعظ والارشاد، ويلتزمون حياة شعارها ضبط النفس من الشهوات، وليست هناك شعائر يتبعها من يريد الالتحاق بالبوذية، وعلى الراغب في الالتحاق بها أن يتنازل عن ماله وعقاره ويحمل مخلاته للسؤال وينضم إلى الجماعة ويتخلق بأخلاقهم، ولعل من الممكن أن نقول إن فكرة التخلص من الأموال قبل دخول البوذية قد تسربت إلى المسيحية، حيث يروي متي ومرقص ولوقا