وكان الصحابة والتابعون - لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمان الوليد بن عبد الملك - لا يدخل أحد (إلى عنده) (1) لا لصلاة هنالك، ولا لمسح بالقبر، ولا دعاء هناك، بل هذا جميعه إنما يفعلونه في المسجد.
وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه وأرادوا الدعاء، دعوا مستقبلي القبلة، ولم يستقبلوا القبر.
وأما وقت (2) السلام عليه، فقال أبو حنيفة رحمه الله: يستقبل القبلة أيضا، ولا يستقبل القبر.
وقال أكثر الأئمة: (بل يستقبل القبر عند السلام خاصة، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يستقبل القبر) (3) عند الدعاء، إلا في حكاية مكذوبة تروى عن مالك، ومذهبه بخلافها.
واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقبله.
وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد، كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى: * (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) *.
قالوا: هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا على صورهم تماثيل، ثم طال عليهم الأمد فعبدوها.
وقد ذكر هذا المعنى البخاري في صحيحه (4) عن ابن عباس، وذكره ابن جرير