وقال لا تطمع أحدا أن يطأ عقبك اليوم فيطأك غدا وقال لا تكن حلو جدا لئلا تبلع ولا مرا جدل لئلا تلفظ وقال ذنب الكلب يكسب له الطعام وفمه يكسب له الضرب وكان بأثينية نقاش غير حاذق فأتى ديمقريطيس وقال جصص بيتك فأصوره قال صوره أولا حتى أجصصه وقال مثل العلم مع من لا يقبل وإن قبل لا يعمل كمثل دواء مع سقيم وهو لا يداوى به وقيل له لا تنظر فغمض عينيه قيل له لا تسمع فسد أذنيه قيل له لا تتكلم فوضع يده على شفتيه قيل له لا تعلم قال لا أقدر وإنما أراد به أن البواطن لا تندرج تحت الإختيار فأشار إلى ضرورة السر وإختيار الظاهر ولما كان الإنسان مضطر الحدوث كان معزول الولاية عن قلبه وهو بقلبه أكبر منه بسائر جوارحه فلهذا لم يستطع أن يتصرف في أصله لإستحالة أن يكون فاعل أصله ولهذا الكلام شرح آخر وهو أنه أراد التمييز بين العقل والحس فإن الإدراك العقلي لا يتصور الإنفكاك عنه وإذا حصل لن يتصور نسيانه بالإختيار والإعراض عنه بخلاف الإدراك الحسي وهذا يدل على أن العقل ليس من جنس الحس ولا النفس من حيز البدن وقد قيل إن الإختيار في الإنسان مركب من إنفعالين أحدهما إنفعال نقيصة والثاني إنفعال تكامل وهو إلى الإنفعال الأول أميل بحكم الطبيعة والمزاج والآخر ضعيف فيه إلا إذا وصل إليه مدد من جهة العقل والتمييز والنص فينشيء الرأي الثاقب ويحدث الحزم الصائب فيحب الحق ويكره الباطل فمتى وقف هذا المدد من القوة الإختيارية كانت الغلبة للإنفعال الآخر ولولا تركب الإختيار عن هذين الإنفعالين أو إنقسامه إلى هذين الوجهين لتأتى للإنسان جميع ما يقصده بالإختيار بلا مهلة ولا ترجح ولا هنية ولا تريح ولا إستشارة ولا إستخارة
(١١٣)