فسمعه هو بصره وبصره هو حواسه وانما قيل سميع بصير لاختلاف التركيب لا لأنهما في نفسهما شيئان مختلفان وزعموا ان اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو المحسة وانما وجدوه لونا لان الظلمة خالطته ضربا من المخالطة ووجده طعما لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب وكذلك القول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومحستها وزعموا ان النور بياض كله وان الظلام سواد كله وزعموا ان النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة منه وان الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها واختلفوا في المزاج والخلاص فزعم بعضهم ان النور داخل الظلمة والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ فتأذى بها وأحب ان يرقصها ويلينها ثم يتخلص منها وليس ذلك لاختلاف جنسهما ولكن كما ان المنشار جنسه حديد وصفحته لينه وأسنانه خشنه فاللين في النور والخشونة في الظلمة وهما جنس واحد فتلطف النور بلينة حتى يدخل تلك الفرج فما أمكنه الا بتلك الخشونة فلا يتصور الوصول إلى كمال وجود الا بلين وخشونة وقال بعضهم بل الظلام لما احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفحته فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعه عن نفسه فاعتمد عليه فلجج فيه وذلك بمنزلة الانسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد لجوجا فيه فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه وقال بعضهم ان النور انما دخل اجزاء الظلام اختيارا ليصلحها ويستخرج منها اجزاء صالحة لعالمه فلما دخل تشبثت به زمانا فصار يفعل الجور والقبيح اضطرارا لا اختيارا ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه الا الخير المحض والحسن البحت وفرق بين الفعل الاضطراري وبين الفعل الاختياري
(٢٥١)