ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه والخلاص وسببه قال بعضهم ان النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختيار وقال أكثرهم ان سبب المزاج ان أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل فنظرت الروح فرأت النور فبعثت الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لاسراعها إلى الشر فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكا من ملائكته في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية فخالط الدخان النسيم وانما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم والهلاك والآفات من الدخان وخالط الحريق النار والنور الظلمة والسموم الريح والضباب الماء فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور وما فيه من مضرة وشر فساد فمن أجناس الظلمة فلما رأى ملك النور هذا الامتزاج امر ملكا من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة وانما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب لاستصفاء اجزاء النور من اجزاء الظلمة فالشمس تستصفى النور الذي امتزج بشياطين الحر والقمر يستصفى النور الذي امتزج بشياطين البرد والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع لان من شأنها الارتفاع إلى عالمها وكذلك جميع اجزاء النور ابدا في الصعود والارتفاع واجزاء الظلمة ابدا في النزول والتسفل حتى تتخلص الاجزاء من الاجزاء ويبطل الامتزاج وتنحل التراكيب ويصل كل إلى كله وعالمه وذلك هو القيامة والمعاد قال ومما يعين في التخليص والتمييز ورفع اجزاء النور التسبيح والتقديس والكلام الطيب واعمال البر فترتفع بذلك الاجزاء النورية في عمود الصبح إلى فلك القمر ولا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى نصفه فيمتلىء فيصير بدرا ثم يؤدى إلى الشمس إلى اخر الشهر وتدفع الشمس إلى نور فوقها فيسرى ذلك العالم إلى ان يصل إلى النور الاعلى الخالص ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى من اجزاء النور شئ
(٢٤٧)