التصديق ولا تجدي، فهل يتكلم ويعتذر بها من فيه مرعة من الحياء! سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت!
واعلم أن هذه المسألة متصلة بمسألة تعليل أفعال الباري تعالى، لأنا لا نريد بتعليل أفعاله إلا أنه لا يفعل إلا ناظرا إلى كون الشئ حكمة وأولى، ولا يجوز خلو فعله عن ذلك، لأنه عبث، وفاعل العبث ليس بحكيم، وفاعل القبيح أي الفاعل لأجل القبح كذلك، والحكيم من كان فعله لحكمة ليس إلا، فمن فرق بين المسألتين كسعد الدين فقد أخطأ.
وقد ذيلوا هذا القول بعذر أقبح منه، فقالوا: جميع أفعال الله تعالى لا تخلو عن فائدة وعاقبة محمودة، لكنها غير مقصودة، فلزمهم سد باب إثبات الصانع، لأن عجائب الملكوت ومحاسن الشرائع اتفاقية، وحينئذ فلا دليل لهم على إثبات الصانع، لتجويزهم تخصيصها، مع أنها تفوت الحصر كثرة بلا تخصيص، وحصول نفس العالم فرد واحد، فيجوز حصوله بلا مرجح، على أن من جعل ابتناء البيت اتفاقيا لم يتلعثم أحد في تكذيبه، فكيف نظام العالم!
وأيضا، أنكروا نعمة الله تعالى، لأن ما لم يقصد ليس بنعمة.
وأيضا، فهو مناقضة محضة مع قولهم أن كل واقع بفعله، وفي الواقع ما ليس بمحمود. وخذ ما شئت من هذا القبيل.
ومن أقبح تفريعاتهم قولهم: يجوز أن يبدل الله تعالى الشرائع بنقائضها، فيحرم الصدق ويوجب الكذب، ويحرم عبادة الرحمن وشكره، ويوجب عبادة الشيطان. وعلى الجملة: يوجب كل قبيح ويحرم كل حسن. وهو تفريع صحيح على أصل خبيث.
وقد فرع عليهما البيضاوي في منهاجه جواز التكليف بالمحال لذاته، قال: لأن حكمته تعالى لا تستدعي غرضا، فلا يستدعي التكليف إلا الإتيان به.