المقالات، وقلما يصرحون بأني أدين الله تعالى بهذا، أو أقر به، أو نحو ذلك...
إذا حققت هذا، ظهر لك أنهم أفراد في النظار يقولون ذلك في معركة الجدال، ولسان النظار لعارض حماية حمى الآباء والأسلاف، ورعاية أمور قام بها شر الخلاف...
فإن قلت: لا يسع عقلي نسبة جماعة عرفوا بالخير إلى إنكار الضرورة، فما عذرك في ذلك؟
قلت: إنهم لم يقعوا في إنكار الضرورة بادئ بدء، إنما شأنهم شأني وشأنك، وقعوا في حجور أقوام وربوهم، وحسن ظنهم بهم، ثم نظروا صور أدلتهم، ثم أصابهم ما أصاب جميع العقلاء اليهود والنصارى وسائر الفرق، فإن العقل يجمعهم. وقد علمت أن ناسا جاز عندهم أن يكون الآله حجرا، وامتنع أن يكون البشر رسولا، واستحسن أحسن الناس رعاية لمكارم الأخلاق أن يطوفوا مكشفي السوءة رجالهم ونساؤهم، ولا تجد فرقا إلا قولك هؤلاء المسلمون وأولئك كفار، وهو دور، إذ لا يعرف المحق حتى يعرف الحق، ولو عرفت الحق لبينته لي، واسترحت من التعلق بأذيال من لا يفصل بينه وبين سائر المدعين، إلا بمثل ما يدلي به سائر خصومك من المسلمين والكفرة.
على أن الخبر المدعى مترتب على صحة هذه المسألة، لأن الصدق والكذب سواء عندك، فتصديق الكاذب كتصديق الصادق، فيجوز أن جميع الشرائع كذب، ولم يجئ سلفك بفرق يتلعثم عنده الأبله فضلا عن العقلاء، وأكثر اعتذارهم أن العادة قاضية بصدق من ظهرت عليه المعجزة، وهذا الكلام مع سماجته من عدة جهات - كما قد أوضحناه في كتابنا العلم الشامخ - لم يقع على محل النزاع، لأن منكر النبوة لم يعلق إنكاره بآخر نبي، إنما أنكر النبوة مطلقا، فأول نبي يورد عليه جوز أنه كاذب، ولا يلزم من المعجزة الصدق بل