حال هارون في حياة موسى حال النبي قبل البعثة وتحقيق المقام على وجه يزيل جميع الأوهام هو: أنه لا تنافي بين وجوب الانقياد والإطاعة لهارون، وعدم حصول مرتبة تنفيذ الأحكام على سبيل الانفراد والاستقلال... لأن حال هارون عليه السلام في تلك الصورة حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان موصوفا بالنبوة ووجوب الطاعة قبل البعثة بل قبل الخلقة، لكن حصول وصف تنفيذ الأحكام له كان موقوفا على خلقه في هذا العالم وحصول بعثته:
قال الحافظ السيوطي: " قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه (التعظيم والمنة في * (لتؤمنن به ولتنصرنه) *): في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق، من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله:
بعثت إلى الناس كافة، لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضا. ويتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد...
فحقيقته موجودة من ذلك الوقت، وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الإلهية، وإنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له جهة الله، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه، وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكونه وتنقله، إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل الكرامة...