التمثيل بعادة السلاطين لا يرفع الإشكال قوله:
لأن السلاطين إذا خرجوا من دار السلطنة استخلفوا نوابهم وبطانتهم، فإذا رجعوا انقطعت تلك الخلافة قهرا، ولا يقال بأنهم عزلوا، ولا يتوهم وقوع الإهانة عليهم.
أقول:
أين الثريا من الثرى، وأين الدر من الحصى؟!
ثم إن موسى عليه السلام استخلف هارون عليه السلام في قومه من غير تقييد بمدة، إذ لم يقل له إلا: * (اخلفني في قومي) *، وليس هذا حال الرؤساء والسلاطين، فإنهم لا يستخلفون غالبا - إذا خرجوا - هذا الاستخلاف المطلق، بل إن ذلك الاستخلاف منهم يكون مقيدا ومحدودا بتلك السفرة فقط، ولذا لا يصدق العزل على نوابهم إذا انقطعت النيابة والخلافة برجوعهم. فلو فرض أن رئيسا استخلف أحدا الاستخلاف المطلق غير المقيد بأمد، ثم قطع الخلافة، كان الخليفة معزولا لغة وعرفا والمنكر مكابر قطعا.
ولو سلمنا أن قطع عمل الخليفة غير المقيدة خلافته بزمان من الأزمنة، لا يستوجب الإهانة في حقه، فإن ذلك ليس إلا لاختلاف مراتب الإهانة والتنفير، فإن بعض الأمور توجب الإهانة بالنسبة إلى الأنبياء والسلاطين معا، وبعضها لا توجبها بالنسبة إلى السلاطين ورجال أهل الدنيا، وتوجبها بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة قطعا، لوضوح أن مرتبتهم أعلى وأجل من مراتب السلاطين والرؤساء، فما يكون منفرا بالنسبة إلى السلاطين والوزراء منفر بالنسبة إلى الأئمة