الآية. أوعد على كتمان الهدى فيجب على من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا إظهاره، فلو لم يجب علينا قبوله لكان الاظهار كعدمه.
ومنه: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) أمر ؟ التبين والتثبت، وعلل بمجئ الفاسق بالخبر، إذ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يشعر بالعلية، ولو كان كون الخبر من أخبار الآحاد مانعا من القبول لم يكن لهذا التعليل فائدة، إذ علية الوصف اللازم تمنع من علية الوصف العارض، بأن من قال: الميت لا يكتب لعدم الدواة والقلم عنده يستقبح ويسفه، لأن الموت لما كان وصفا لازما صالحا لعلية امتناع صدور الكتابة عن الميت استحال تعليل امتناع الكتابة بالوصف العارض وهو عدم الدواة والقلم.
وفي كل من هذا التمسكات اعتراضات مع أجوبتها تركناها احترازا عن الاطناب.
قوله: مثل خبر بريرة في الهدية. فإنه روي أنه عليه السلام قبل قولها في الهدية. وخبر سلمان في الهدية والصدقة، فإنه روي أن سلمان رضي الله عنه كان من قوم يعبدون الخيل البلق، فوقع عنده أنه ليس على شئ، وجعل ينتقل من دين إلى دين طالبا للحق حتى قال له بعض أصحاب الصوامع: لعلك تطلب الحنيفية وقد قرب أوانها فعليك بيثرب، ومن علامات النبي المبعوث أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة. فتوجه نحو المدينة فأسره بعض العرب وباعه من اليهود بالمدينة، وكان يعمل في نخيل مولاه بإذنه، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلما سمع بمقدم النبي عليه الصلاة والسلام أتاه بطبق فيه رطب ووضعه بين يديه فقال: ما هذا؟ فقال: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل. فقال سلمان في نفسه: هذه واحدة. ثم أتاه من الغد بطبق فيه رطب فقال: ما هذا يا سلمان؟ فقال: هدية. فجعل يأكل ويقول لأصحابه: كلوا. فقال سلمان: هذه أخرى. ثم تحول خلفه فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مرادة فألقى الرداء من كتفيه حتى نظر سلمان إلى خاتم النبوة