فظهر أن ما ذكره ابن حجر في توجيه دعواه هو في الحقيقة دليل على بطلان مدعاه، وهذا من جلائل آثار علو الحق والصواب.
على أنه لا يخفى ما في كلامه من دعوى وجود الايضاح والبيان عند أبي بكر، لكن للأمام عليه السلام زيادة عليه!!
وأما " التفرغ للناس " فما الدليل على أن تفرغ الإمام عليه السلام للناس على عهد النبي صلى الله عليه وآله كان أكثر من تفرغ أبي بكر؟ ومن ادعى فعليه البيان... بل إذا نظرت في تاريخ الرجلين وسيرتهما رأيت الإمام عليه السلام خائضا في الحروب والمغازي والبعوث والسرايا... بخلاف أبي بكر...
فقد كان في معزل عن تحمل هذه المكاره لخوره وجبنه، فأيهما كان المتفرغ؟!
إذن، ليس الارجاع في العلوم بسبب التفرغ للناس، بل الملاك هو الأعلمية كما هو مقتضى السيرة العقلائية... هذا بالنسبة إلى زمن الحياة النبي صلى الله عليه وآله.
وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان أبو بكر خليفة والإمام عليه السلام جليس بيته، أليس من أهم وأجل وظائف الخليفة وأعماله تعليم الأمة ونشر العلوم الدينية بين الناس؟ فهل يعقل أن يسند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الخلافة عنه إلى شخص ثم يرجع الناس في أهم واجباته ووظائفه - مع كونه أعلم الناس - إلى غيره؟!
بل الحق أن إرجاع النبي صلى الله عليه وآله الأمة إلى الإمام عليه السلام في أخذ العلم منه دليل واضح على إمامته، وبرهان لائح على خلافته، وإن ما كان منه عليه السلام من نشر علم الدين على عهد النبي وبعده على عهد حكومة الخلفاء من أقوى الأدلة على ذلك، وإن تغلب القوم على الخلافة...
فالخليفة الحقيقي عن النبي صلى الله عليه وآله من حفظ دينه ونشر علومه، وحل المشكلات والمعضلات...