دعوى أن أعلم الصحابة هم الخلفاء ثم إن الأمر الذي بنى عليه البنباني المعنى الذي ذكره لحديث المدينة، وهو: " أن أعلم الصحابة هم الخلفاء الراشدون... " باطل من وجوه أيضا.
أما أولا: فإن الثلاثة ليسوا من الخلفاء الراشدين عن رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله المعصومين.
وأما ثانيا: فلأن أحدا من أهل الإنصاف لا يرتضي القول بأعلمية الثلاثة من: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمار، وابن عباس، وحذيفة، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي الدرداء، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم من مشاهير الأصحاب... بل إن هؤلاء، بل ومعاذ بن جبل وأبو هريرة وزيد ابن ثابت وأضرابهم... أعلم من الثلاثة قطعا... بل الحق أن الثلاثة لم يحصلوا على شئ من العلوم، وتلك آثار جهلهم بالأمور الواضحة مشهودة ومشهورة، وستقف على ذلك فيما بعد بالتفصيل إن شاء الله.
وأما ثالثا: فلأنهم لو كانوا علماء لأفادوا وأفاضوا، وظهرت الآثار واشتهرت الشواهد على بلوغهم المراتب العلمية في الموارد المختلفة، وانتشرت بواسطتهم أحكام الحلال والحرام، من غير أن يمنعهم عن ذلك الخلافة، بل إنه من أجل وأهم أعمال خليفة النبي صلى الله عليه وآله. ألا ترى أن الإمام عليه السلام - على قصر مدته - لم تشغله الحروب عن نشر العلوم الجليلة والمعارف السامية، ولقد صدق ضرار حيث قال في وصفه عليه السلام: " يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه " كما رواه ابن عبد البر القرطبي بترجمته عليه السلام في (الإستيعاب).
وأما رابعا: سلمنا أن تقيدهم بأمر الخلافة منعهم عن الإفادة، فما الذي منعهم عنها في حياة النبي صلى الله عليه وآله؟ وما الذي منع عمر وعثمان عنها أيام أبي بكر؟ وما الذي منع عثمان عنها أيام عمر؟ نعم إنهم يقولون بأن عمر