علم لك به وخبر الواحد لا يوجب العلم، فلا يجوز اتباعه والعمل به بظاهر هذا النص.
قالوا: ولا معنى لقول من قال: إن العلم ذكر نكرة في موضع النفي فيقتضي انتفاءه أصلا، وخبر الواحد يوجب نوع علم وهو علم غالب الظن الذي سماه الله تعالى علما في قوله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات) فلا يتناوله النهي.
لأنا إن سلمنا أنه يفيد الظن فهو محرم الاتباع أيضا بقوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا).
ثم أشار الشيخ إلى شبهة من منع عنه عقلا بقوله: وهذا أي عدم جواز العمل به لأن صاحب الشرع أي من يتولى وضع الشرايع - وهو الله تعالى إذ الرسول مبلغ عنه - موصوف بكمال القدرة، فكان قادرا على إثبات ما شرعه بأوضح دليل، فأي ضرورة له في التجاوز عن الدليل القطعي إلى ما لا يفيد إلا الظن؟ كيف وإنه يؤدي إلى مفسدة عظيمة، وهي أن الواحد لو روى خبرا في سفك دم أو استحلال بضع وربما يكذب فنظر أن السفك والإباحة بأمر الله تعالى ولا يكونان بأمره فكيف يجوز الهجوم بالجهل؟ ومن شككنا في إباحة بضعة وسفك دمه لا يجوز الهجوم بالشك، فيقبح من الشارع حوالة الخلق على الجهل واقتحام الباطل بالتوهم، بل إذا أمر الله تعالى بأمر فليعرفنا أمره لنكون على بصيرة إما ممتثلون أو مخالفون، بخلاف المعاملات فإن خبر الواحد يقبل فيها بلا خلاف، لأنها من ضروراتنا أي قبوله فيها من باب الضرورة لأنا نعجز عن إظهار كل حق لنا بطريق لا يبقى فيه شبهة، فلهذا جوزنا الاعتماد فيها على خبر الواحد.
وقوله: وكذلك الرأي من ضروراتنا جواب عن تمسكهم بالقياس في الأحكام، مع أنه لا يفيد إلا الظن فقال: هو من باب الضرورة أيضا، لأن الحادثة إذا وقعت ولم يكن فيها نص يعمل به يحتاج إلى القياس ضرورة، ولأن القياس ليس بمثبت بل هو مظهر، وخبر الواحد مثبت، والاظهار دون الاثبات، وهذا على قول من جوز التمسك بالقياس منهم، فأما على قول من لم يجعل القياس