أسانيدها حذرا من الإطالة عليهم، واعتمادا على نقل الأئمة ".
فهذا ما وصف به أحاديث كتابه، فالأوصاف هذه منطبقة على حديث " أنا دار الحكمة وعلي بابها " باعترافه، فلو كان ادعى البغوي بعد ذلك كون الحديث منكرا فقد أنكر بعد أن أقر، والانكار بعد الاقرار غير مسموع، ولذا أعرض العلامة عن ذكر إنكاره.
الثالث: سلمنا، لكن إعراض العلامة عن ذكر الكلام المزبور ستر لمعائب البغوي، لا ستر لمعائب الحديث كما زعم ابن روز بهان.
وبيان ذلك هو: أن قوله: " الحديث غريب لا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك، وإسناده مضطرب " يشتمل على دعويين:
أحداهما: إن الحديث غريب لا يعرف عن أحد من الثقات غير شريك.
وهذه الدعوى تدل على قصر باعه وقلة اطلاعه، لأن الأمر ليس كذلك كما لا يخفى على المتتبع الخبير، بل إنه حديث مشهور رواه غير شريك من الثقات، كما دريت سابقا بالتفصيل.
على أنه لو كان كذلك فهو مما تفرد به شريك، وهذا لا يمنع صحته أو حسنه، ومن هنا حسنه الترمذي كما صرح به المحب الطبري في (الرياض النضرة) و (ذخائر العقبى)، مع أن رواية الترمذي مقتصرة على طريق شريك، وصححه ابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار) كما نقله السيوطي في (جمع الجوامع) وهو أيضا لم يروه إلا عن شريك، وصححه الحاكم أيضا كما صرح به الشامي في (سبل الهدى والرشاد) والشبراملسي في (تيسير المطالب السنية) والزرقاني في (شرح المواهب اللدنية). وحسنه الحافظ العلائي والمجد الفيروزآبادي، فقد قال العلائي - كما في (اللآلي المصنوعة) نقلا عن أجوبة عن اعتراضات السراج القزويني على أحاديث المصابيح للبغوي -: " وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، احتج به مسلم، وعلق له البخاري، ووثقه يحيى بن معين، وقال العجلي: ثقة حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا قط أورع في