الحديث، كما لا يخفى على المتتبع لها، فإن قاطبة أهل السنة يوجبون العمل بخبر الواحد، ولم يخالف في هذا الحكم إلا شاذ لا يعبأ به، وإليك نص عبارة أبي الحسن البزدوي في هذا المطلب، ليتضح بطلان دعوى ابن تيمية بوجوه عديدة:
قال البزدوي: " باب خبر الواحد (1)، وهو الفصل الثالث من القسم الأول، وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، لا عبرة للعدد فيه، بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر، وهذا يوجب العمل ولا يوجب العلم يقينا عندنا، وقال بعض الناس: لا يوجب العمل، لأنه لا يوجب العلم، ولا عمل إلا عن علم. قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وهذا لأن صاحب الشرع موصوف بكمال القدرة، فلا ضرورة له في التجاوز عن دليل يوجب علم اليقين، بخلاف المعاملات لأنها من ضروراتنا، وكذلك الرأي من ضروراتنا، فاستقام أن يثبت غير موجب على اليقين. وقال بعض أهل الحديث: يوجب علم اليقين، لما ذكرنا أنه أوجب العمل، ولا عمل من غير علم، وقد ورد الآحاد في أحكام الآخرة مثل: عذاب القبر، ورؤية الله تعالى بالأبصار، ولاحظ لذلك إلا العلم. قالوا:
وهذا العلم يحصل كرامة من الله تعالى، فثبت على الخصوص للبعض دون البعض، كالوطئ تعلق من بعض دون بعض، ودليلنا في أن خبر الواحد يوجب العمل واضح، من الكتاب والسنة والإجماع والدليل المعقول.
أما الكتاب: قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) وكل واحد إنما يخاطب بما في وسعه، ولو لم يكن خبره حجة لما أمر ببيان العلم. وقال جل ذكره: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) وهذا في كتاب الله أكثر من أن يحصى.
وأما السنة: فقد صح عن النبي عليه السلام قبوله خبر الواحد، مثل خبر بريرة في الهدية، وخبر سلمان في الهدية والصدقة، وذلك لا يحصى عدده، ومشهور