فلما زهدوا في الدنيا انصبت إلى بواطنهم أقسام العلوم انصبابا وانضاف إلى علم الدراية علم الوراثة ".
أقول: فهذه بعض مقامات رسول الله صلى الله عليه وآله على أثر قربه من الله تعالى وخلقة نوره من قبل العالم بأسره، ولما كان أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جميع منازله ومقاماته كان جميع ما ذكر ثابتا في حقه أيضا، فيكون مثله أفضل جميع الخلائق وأجلهم وأقدمهم بعده، فهو الخليفة من بعده على أمته وهو المطلوب.
9 - أبو نعيم الاصفهاني قال الحافظ الشهير والعارف الكبير أبو نعيم الأصبهاني في خطبة كتابه (دلائل النبوة) ما نصه:
" أما بعد فقد سألتم... جمع المنتشر من الروايات في النبوة ودلائلها والمعجزة وحقائقها، وخصائص المبعوث محمد صلى الله عليه وسلم بالسناء الساطع والشفاء النافع، الذي استضاء به السعداء واستشفى به الشهداء واستوصل دونه البعداء، فاستعنت بالله واستوفقته، وبه الحول والقوة وهو القوي العزيز.
واعلموا وفقكم الله أن الخالق الحكيم أنشأ الخلق مختلفي الصور والجواهر متفاوتي الأمزجة والبصائر، أجزاؤهم في الطبيعة والقوة متفاضلة، وأحلامهم في النظر والاعتبار متفاوتة، فمن معتدل مزاجه مستغن بصحته عن الأطباء والعقاقير ومتوسط في الاعتدال يطيبه القليل من الأبازير، وساقط رذيل لا يقيمه العزيز من العناصر، كذلك الأرواح، منها صاف زكي بالحكمة مشغوف، وإلى التعرف والتبصر ملهوف، حريص على ما استبق إليه السعداء ومنها روح كدر بطئ عن المعارف والبصائر معطوف، وعن الآيات والعبر مصروف، خميص إلى ما استلذه البعداء. ومنها روح متوسط حط به عن كمال الصفاء والزكاء، ونجى به من هلاك