فقهوا علموا، ولما عملوا علموا، ولما عملوا عرفوا، ولما عرفوا اهتدوا، فكل من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقيادا لعالم الدين، وأوفر حظا من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من الله تعالى للقلوب، والمعرفة تميز تلك الجملة والهدى وجدان القلوب ذلك، فالمعنى: مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم، أخبر أنه وجد القلب النبوي الهدى والعلم، فكان هاديا مهديا، وعلمه صلوات الله عليه ورائة معجونة فيه من آدم أبي البشر صلوات الله عليه، حيث علم الأسماء سمة الأشياء فكرمه الله تعالى بالعلم فقال (علم الانسان ما لم يعلم)، فآدم عليه السلام بما ركب فيه من العلم والحكمة صار ذا الفهم والفطنة والمعرفة والرأفة واللطف والحب والبغض والفرح والغم والرضاء والرخاء والغضب والكياسة، ثم اقتضاء استعمال كل ذلك، وجعل لقلبه بصيرة واهتدى إلى الله بالنور الذي وهب له.
فالنبي عليه السلام بعث إلى الأمة بالنور الموروث والموهوب له خاصة، وقيل: لما خاطب الله سبحانه السماوات والأرض يقول لهما (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) *، نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أصل طينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سرة الأرض بمكة. فقال بعض العلماء: هذا يشعر بأنما أجاب من الأرض ذرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له، وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين. وفي رواية: بين الروح والجسد. وقيل: لذلك سمي أميا، لأن مكة أم القرى، وذرته أم الخليقة وتربة الشخص مدفنه، فكان يقتضي أن يكون مدفنه بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموج ورمى الزبد إلى النواحي وقت جوهرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، وكان رسول الله مكيا مدنيا حنينه إلى مكة وتربته بالمدينة.
فالإشارة فيما ذكرنا من ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما قال الله