وبما جاء من عند الله؟ قيل: لعلل كثيرة:
منها: أن من لم يقر بالله لم يتجنب معاصيه، ولم ينته عن ارتكاب الكبائر، ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ من الفساد والظلم، وإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين، ووثوب بعضهم على بعض، فغصبوا الفروج والأموال، وأباحوا الدماء والسبي، وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا، وهلاك الخلق، وفساد الحرث والنسل.
ومنها: أن الله عز وجل حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الإقرار بالله ومعرفة الآمر والناهي؛ فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفة لم يثبت أمر بصلاح، ولا نهي عن فساد؛ إذ لا آمر ولا ناهي.
ومنها: أنا قد وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق، فلولا الإقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة، إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق بغير مراقب لأحد فكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين، فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى، آمر بالصلاح، ناه عن الفساد، ولا يخفى عليه خافية؛ ليكون في ذلك انزجار لهم يخلون به من أنواع الفساد. (1)