هذه الحيثية كان كل من يسلك طريق معرفة الحقائق والعقائد العلمية، يصل إلى أن معلوماته من الضآلة بحيث لا تعد شيئا بالنسبة لما يجهله، فلا يرى أنه بهذا النزر اليسير من العلم لا يستحق أن ينعت عالما فحسب، بل إنه - بمحاسبة دقيقة علمية على أساس الواقع - لا يرى لنفسه مكانا في مصاف العلماء.
وإنه هنا يشعر الإنسان أنه كلما ازداد علما اتسعت الهوة بين ما علم وما جهل، وبتعبير آخر: إن معدل ارتفاع المستوى العلمي للإنسان متكافىء مع معدل الزيادة في مجهولاته.
فمن ليست لديه أي معرفة عن الإنسان ليس لديه أي مجهول في مجال علم الانسان، فلو أنك سألت جاهلا: ما الإنسان؟ لأجابك: هذا واضح جدا، الإنسان هو الموجود الذي يمشى على رجليه هنا وهناك، والإنسان يعني الانسان، وهذا السؤال أصلا بلا معنى!!. ولو أنك سألته: أتجهل شيئا ما عن الإنسان؟ لأجابك:
كلا، وفي رأيي أن الانسان قد عرف حتى لم يعد في حاجة إلى تفسير أو بيان!
أما إذا بادر هذا الشخص بالتحقيق في علم الإنسان فإنه كلما اتسع نطاق تحقيقه وتخصصه في هذا العلم ازدادت مجهولاته في مجال معرفة هذا الموجود العجيب المعقد المعجون بالأسرار، وكلما تعمق في وجود الإنسان اعترضته علامات استفهام أكثر فأكثر!
أجل، الإنسان بالنسبة للجهلاء موجود قد تمت المعرفة به تماما. أما لدى عالم محقق مثل البروفسور كارل الذي قضى عمرا يحقق في فرع علم الإنسان فإن حاصل هذا العمر من التحقيق ونتيجته هو كتاب " الإنسان ذلك المجهول موجود لم يعرف ".
وليس الإنسان وحده هو الموجود الذي لم يعرف بعد لدى العلماء الحق