الآداب قد أحاط بكل شيء علما، وأن في إمكانه أن يحكم في أي مسألة كانت ويظهر الرأي القاطع فيها.
وعالم الرياضيات يرى أن قبيله من الرياضيين هم العلماء بالإطلاق، وأن لهم الحق في إبداء آرائهم في كل أمر من الأمور المختلفة حتى العقائدية والاجتماعية.
وهكذا الحال بالنسبة للفقيه والأصولي والفيلسوف والمفسر وهلم جرا، فكل من تخصص في فرع من فروع العلم والمعرفة إذا ابتلى بالغرور العلمي ولم يعرف النسبة بين معلوماته ومجهولاته ولم يضع معلوماته في مكانها إزاء مجهولاته يزعم أنه ما دام فكره في دائرة تخصصه صائبا، فلا يمكن إلا أن يكون صائبا حتى فيما يخرج عن دائرة اختصاصه، ومن ثم يعطي لنفسه الحق في إبداء الرأي في أي مسألة كانت.
يحكى أن نحويا ركب سفينة، وأثناء الحديث بينه وبين الربان شاقه أن يتظاهر بعلمه وقدر هذا العلم وحتى يشوق الربان على تعلمه، سأله قائلا: هل تعلمت النحو؟! فأجاب الربان: كلا!! فقال النحوي: لقد أضعت نصف عمرك!! إن من لم يتعلم النحو أضاع عمره في الجهل وعدم المعرفة، فإن أردت أن تفوز بالنصف الثاني من عمرك وجب عليك أن تحصل هذا العلم!!
لقد فكر الربان مليا، إلا أن الجواب المناسب للرد على هذا الأديب المغرور تعيا عليه، وما هي إلا وعصفت الرياح وهاج البحر وغشيهم موج كالظلل، وغلب البحر السفينة على تعادلها يتقاذفها كل لحظة من صوب إلى صوب حتى أشرفت على الغرق. التفت الربان إلى النحوي فوجده قد فقد نفسه هلعا ولم يعد يدري يده من رجله! وكانت الفرصة المناسبة للإجابة على سؤاله، فقال: يا أستاذ، هل تعلمت السباحة؟ فأجاب النحوي: كلا، أنا لا أجيد السباحة. فقال الربان: لقد أضعت كل عمرك؛ فلا سبيل للنجاة الآن إلا بالسباحة!!