إن الرجال العظام يتمتعون بموهبة هذا الإشراق فتراهم يعلمون ويعرفون ما يجب تعلمه والتعرف عليه دون الحاجة إلى الدليل والتحليل، فالعالم الكبير ينساق تلقائيا إلى طريق ينتهي إلى كشف جديد، وهذه الحالة كانت تسمى قبل هذا بالإلهام.
والعلماء فريقان: فريق منطقي، وآخر إشراقي، وجميع العلوم والتقدم العلمي رهين هذين الفريقين، حتى العلوم الرياضية التي تستند على أسس وقواعد منطقية تماما، قد أخذت قسطها من الإشراق أيضا... والحياة العادية هي الأخرى شأنها القضايا العلمية، إن الإشراق عامل قوي في المعرفة لكنه خطير في نفس الوقت، إذ يصعب التمييز في بعض الأحيان بينه وبين التوهم...
وليس إلا العظماء من الرجال والأطهار أصحاب القلوب الصافية الذين يبلغون به إلى الكمال وقمة الحياة المعنوية، إن هذه الموهبة مدهشة حقا، ويبدو لنا أن إدراك الواقعية بدون دليل أو تعقل أمر لا يقبل التفسير. (1) ويؤيد هذا الرأي العالم الرياضي الفرنسي جاك هادا مارا، حيث يقول:
حينما نتأمل ظروف الاكتشافات والمخترعات يستحيل علينا أن نتجاهل الإدراكات الباطنية المفاجئة، فكل عالم محقق يشعر إلى حد ما بأن حياته ومسائله العلمية قد تكونت من خلال سلسلة من النشاطات المتناوبة، كأن لإرادته وشعوره ضلع في البعض منها؛ وأما البقية فقد كانت حصيلة لسلسلة إلهامات باطنية. (2) وعليه، يمكن القول بأنه كلما ازدادت الإمدادات الغيبية والإلهامات الباطنية