بعبارة أخرى: كأن الإمام (عليه السلام) أراد أن يقول بأن أصل الضلال في العقيدة ومنشأه آراء جهلاء غير متخصصين. ولو أن هؤلاء الجهلاء أمسكوا عن إبداء آرائهم أو إظهار نظرهم فيما لا علم لهم به لإقتلعت جذور الكفر والضلال من المجتمع البشري. (1) الجاهل الكافر لو أن الكافر كان يعرف الحقيقة لما كان جاهلا، ولو أن الجاهل لم يخف جهله لما كان كافرا. فإن أخفى الجاهل جهله فقد اجتمع فيه الجهل والكفر.
وعليه، فإن الجاهل الكافر هو من يبدي رأيه فيما لا يعرف.
وعندما نتعرض بالبحث لموضوع معرفة الله تعالى سنوضح أن منكري وجود الله عز وجل حتى لو افترضنا جدلا أنهم أتوا بأدلة صحيحة فإنهم ما برهنوا في النهاية إلا على شئ واحد، هو أن الإنسان لا يجد سبيلا لمعرفة ما وراء المادة، أي: ليس في مقدوره أن يفهم ما إذا كان هناك شئ آخر وراء الطبيعة المحسوسة أم لا. (2) ولو أنهم اعترفوا بجهلهم لم يكونوا كفارا، ولكنهم لا يقفون عند عدم الاعتراف بجهلهم فحسب، بل يتجاوزونه إلى قطاف ثمرة الجهل، مما يعتبرونه في نظرهم على أنه هو العلم، فيتخذون من جهلهم أساسا لنظريتهم بالنسبة للمسائل الميتافيزيقية وما وراء الطبيعة، فإذا برأيهم أنه لا وجود لشيء أصلا إلا للطبيعة المحسوسة.
وهكذا، يتواءم الجهل والكفر، فيخفي الإنسان جهله بعلم مزعوم.