بمفهومه الثالث، إلا أنه يعتبر أخطر أنواعه هو نوعه الرابع؛ أي اختيار السبيل الذي تدعو قوى الجهل الإنسان إليه واتباعه؛ لأن الإنسان إذا سلك النهج الذي يرسمه له العقل فسيحظى من غير شك بالتسديد والهداية من العلم والحكمة وسائر جنود العقل لبلوغ مبدأ الإنسانية وغايتها، واكتساب جميع المعارف المفيدة البناءة، ويصل على قدر استعداده وجهده إلى الحكمة من وراء خلقه.
أما إذا اختار الإنسان طريقا من الطرق التي يقتضيها الجهل، وأغلق جنود الجهل أمام وجهه سبيل إدراك المعارف البناءة والحقائق السامية التي تبصره بالغاية العليا للإنسانية، فإنه في مثل هذه الحالة سيهلك بمرض الجهل حتى لو كان أعلم العلماء على وجه الأرض، ولن ينفعه علمه في هدايته (وأضله الله على علم). (1) وعلى هذا الأساس، حينما يطرح موضوع " الجهل " على بساط البحث، يتركز محور الحديث عادة حول مفهومه الرابع، ثم تتدرج من بعده سائر مفاهيم الجهل الأخرى وفقا لأهمية كل منها.
2. المواجهة بين العقل والجهل إن القضية المهمة الأخرى هي إيضاح السر الكامن وراء المجابهة بين العقل والجهل في النصوص الإسلامية.
والسؤال الذي يثار في هذا الصدد يستهدف معرفة السبب الذي جعل النصوص الإسلامية - ومن جملتها كتب الحديث - تضع الجهل في مقابل العقل، خلافا للنهج المتعارف الذي يضع الجهل كعنصر مقابل للعلم.