وهكذا تحولت حركة التشيع - في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) - من طابعها الفكري الحاد إلى مرحلتها الحدية والمصيرية التي استنزفت التضحيات، واستدرت البطولات، وهزت العروض العاتية، ودكت الصروح والسدود التي كانت تقف دون مسيرتها، ونفاظ رسالتها.
وإذ كانت حركة التشيع - في جميع أدوارها ومراحلها - حركة إيجابية ترتكز على العقل والعقيدة، كان من المحتم أن يبرز فيها الدور الجبار الذي بدأ يجسد لأجيال المسلمين الواقع الفكري والحضاري للإسلام، وهو يتمثل في المدرسة العقلية والفكرية التي مارسها الإمام الصادق (عليه السلام) وقد ألهم العلم والمعرفة، وأفاض الفقه والحديث، وأعد العلماء الذين ظلوا خزنة للعلم وسدنة للدين إلى عصرنا هذا.
وتابع هذه الحركة كل واحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، فخلف لها الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) أصولا ترتكز عليها ديمومتها وبقاؤها، فقد بنى الإمام الغائب (عليه السلام) على أعقاب غيبته الكبرى صروح النيابة العامة، التي ترجع إليها أجيال الشيعة في عامة شؤونهم وأحداثهم.
وكان من العوامل الفعالة التي ساقت حركة التشيع هذه إلى الديمومة والاتساع هو دور العلماء الذين جاهدوا في أداء رسالتهم، وبذلوا دماءهم ومدادهم في سبيل نشر الفكر الشيعي، ودعمه وتركيزه.
ثم كان من العوامل الفعالة في انتشار الفكر الشيعي، واتساع رقعة التشيع، واستمراريته: هو ظهور عديد من الحكومات الشيعية التي أقامت حكمها في قطاعات مختلفة من العالم، خلفت آثارا حضارية وفكرية لا يزال المسلمون ينعمون بها، وتتمثل ذلك بالأزهر الشريف، وبما ينوء به من المسؤوليات الفكرية والثقافية في أوسع رقاع العالم الإسلامي وأشملها.