الخلاف في المسائل الفكرية فحسب.
وأما إذا ما تحولت هذه الأفكار والمعتقدات إلى أعرف وتقاليد موروثة وإلى سلوك اجتماعي معين، فإنها تفقد - حينئذ - ميزاتها النطقية، وتصبح من الوضعيات التلقائية التي يمارسها الأفراد والجماعات. كجزء من ذاتها وأصالتها، ومقومات حياتها.
وفي هذه الوضعيات من السلوك التقليدي المألوف: يكمن التعصب الأعمى، ويشتبك الصراع العنيف، الذي لا يألف الهدوء ولا المهادنة، ولا يعرف التحدث ولا الحوار.
غير أن قضايا العقيدة والفكر الإنساني المعاش، يختلف أثرها في الطبقة العليا ذات الخبرة والتجريب عنه في الطبقة الدنيا من الناس، وهي تتوارث هذه العقائد والأفكار، دون أن تقف على تعليلها، ودون أن تتعمق في تحليلها، أو تدرك آثارها، أو تغور في جذورها.
وفي الواقع: أن الطبقة الدنيا من الناس لا يؤمنون إلا بالمحسوس من مدركاتهم وتصوراتهم، وبالقناعات الموروثة لديهم، وهم على العكس من الطبقة العليا، ذات البصيرة والنفاذ، والقدرات العقلية والمنطقية، الذين يعتمدون في مدركاتها وتصوراتهم على مقاييس الفكر والتأمل، فبينما تألف الطبقة العامة من الناس أن تدرك من نوافذ الحس والتجربة، فإن الطبقة المتميزة منها تألف أن تدرك بالمعايير العقلية، والمنطقية، وإذا كان المجتمع العام من الناس يعتمدون فيها على التجريب والإحساس، فإن المستوي المتميز منهم إنما يعتمدون فيها على التجريد والتعقل.
ولهذا فإن مسائل المعرفة الإنسانية ولا سيما القضايا الفكرية فيها لا يمكن أن تسوى عن طريق العامة من الناس، بل إنها تصبح عن طريقها مسائل غوغائية لا